[أوضاع المساجد في العالم في العصر الحاضر]
لم يستمر هذا الدور الخصب الذي نهض به المسجد في عصوره الأولى!
وإنما أخذ يضيق وينكمش حتى جاءت فترة اقتصر فيها على أداء الصلوات وعلى إلقاء خطب الجمعة وبعض الدروس التي لا تسمن ولا تغني من جوع! وتاريخ الدواوين التي كانت تقرأ على المنابر، أو تحفظ وتلقى، مثل واضح!
ومن الظواهر الغريبة أنه كلما زادت العناية بالمظهر الخارجي للمسجد لم نجد وراء هذا المظهر إلا ضحالة وعجزا وقصورا عن وفائه برسالته، وكأنها عملية تعويض يراد من خلالها ستر هذا الفراغ!
إن أشد أبنية المساجد ضخامة وأعظمها فنا وزخرفة ينتمي لفترات من تاريخ المسلمين تخلفوا فيها دينا ودنيا على نحو يجعل هذه الأبنية ظاهرة في حاجة إلى تفسير!!
ولو تساءلنا عن عوامل ازدهار المسجد ودوره في فترات سلفت من تاريخنا لوجدنا عاملين أساسين يقفان وراء هذا الازدهار:
أولهما: يرجع إلى المسجد نفسه ويتمثل في اقتدار المسجد على أداء دوره في توجيه الحياة.
وثانيهما: يرجع إلى المجتمع ويتمثل في الطابع الديني الذي كان يسيطر على حياة الناس ويصبغها بصبغة دينية شاملة.
ويضاف لهذين العاملين عامل ثالث يكملهما: ذلك أن مجتمع تلك العصور لم تكن فيه مؤسسات اجتماعية تزاحم المسجد وتنافسه في دوره الذي كان يستقل به غير مشارك ولا مدافع.
فقد قضى تطور المجتمع أن تقوم فيه مؤسسات متنامية أخذت لها أدوارا تضطلع بها فقامت المدرسة إلى جانب المسجد وأصبحت هي المسئولة عن مهمة تعليم النشء وتربيته! وتحولت مظاهر الحكم والسلطان من " المسجد " إلى مواقع أخرى في المجتمع تمارس فيها ومنها عمليات التشريع والتوجيه والتخطيط والتنفيذ الكبرى ذات الأثر البعيد في صياغة الحياة!
بل إن أخص وظائف المسجد وهي " التوجيه الديني " بوجه عام يزاحمه فيها الآن مؤسسات اجتماعية كثيرة يتوافر لها من الإمكانات المادية والبشرية والفنية ما لا يتوافر أقله للمسجد!!
وأخطر من هذا الأمر تجاوز المزاحمة والمنافسة إلى المناهضة والمقاومة، فجدت أشياء وحدثت أمور شديدة التأثير والجذب للناس، توجههم نحو غايات، وتدعوهم إلى مسالك، وتدفعهم في شعاب كثيرا ما تتناقض وتتصادم مع ما يدعو إليه المسجد وما يقدمه من توجيه!