فإذا أضفنا لهذا كله ما آل إليه " المسجد " الآن من كونه مؤسسة رسمية، وأن ما يمارس فيه من دعوة وتوجيه إنما يتم على أنه عمل وظيفي تحدده دوافع الوظيفة وتحد منه أو تقيده مسئولياتها، بدت لنا الفوارق جلية وحادة بين مسجد اليوم ومسجد الأمس!
إن صورة " المسجد " المعاصر لا تبدو غريبة إذا وضعناه في الإطار العام لحياة المجتمع المعاصر، فهو جزء منه يتأثر به إيجابا وسلبا، ويتحدد دوره بحسب وضعه في هذا المجتمع ومكانه منه!
اقتصار المسجد الآن على كونه مكانا لأداء الصلوات وما يتبعها من خطابة دينية وعظات أو دروس يبدو وكأنه نتيجة طبيعية بل حتمية لما آل إليه المجتمع من تطور!
ويخيل إلينا أنه لو سارت الأمور في اتجاهها الذي نراه فالاحتمال القريب أن يزداد " المسجد " انفصالا عن الحياة ويزداد دوره في توجيهها تقلصا وانكماشا!!
كان " المسجد " قاعدة الحضارة الإسلامية وكل ما يشعه المسجد مفتاح هذه الحضارة وكان ما يصدر عنه يطبع الحياة بطابعه، فهل هو الآن كذلك؟
إنه لا يزيد في أحسن الأحوال - فوق وظيفته التقليدية كمكان للصلاة - عن كونه مصدرا لمعرفة دينية هزيلة لا تستطيع أن تصمد في معركة توجيه الحياة مع أمواج التيارات الفكرية السابحة في كل اتجاه، متذرعة بكل الوسائل والأساليب.
تطور المجتمع وتخلف المسجد، فحدث ما يعانيه الآن من انفصام بينه وبين الحياة!
إن الحياة المعاصرة قد تبدو - في ظاهرها - مستغنية أو معرضة عن توجيه المسجد، لكن حقيقتها أنها أشد ما تكون حاجة إلى هذا التوجيه بشرط أن يرتفع هذا التوجيه إلى مستوى يجعله أهلا لأن يستمع إليه، قادرا على الصمود عند مقارنته بسواه، متجاوزا هذا المدى لينتزع التسليم بحقه في الهيمنة على كل ما عداه ثقة فيه واطمئنانا إليه واستشرافا للمنفعة الحقيقية فيه!!