ولنتجه الآن إلى القرآن الكريم لنرى كيف تناول هذه الظاهرة؟! وبإحصاء دقيق للفظ النسيان في القرآن الكريم في صوره الاشتقاقية المختلفة نجد أنه ورد في خمسة وأربعين موضعا من الكتاب العزيز.
وبدراسة المواضع التي ورد فيها هذا اللفظ بمشتقاته، نرى أن القرآن الكريم قد استخدمه بمعنييه جميعا: النسيان الحقيقي الذي يلم بالإنسان في غير قصد أو إرادة، والنسيان المقصود الذي نعني به الغفلة عن الواجب وإهمال المسئوليات.
النوع الأول: النسيان الحقيقي، كيف تناوله القرآن؟
عندما يكون النسيان قسرا وجبرا، وعندما يلم بالإنسان بلا قصد منه أو إرادة يكون هو النسيان الحقيقي الذي أعطيناه صفة الظاهرة البشرية أو السمة الإنسانية، إذ أن أي إنسان مهما كان لا يستطيع أن يتجرد منه.
وحديث القرآن عن هذا النوع حديث إخباري بحت، يعرض فيه بعض صوره أو ينفيه في بعض المواضع التي ينبغي أن ينفى فيها؛ لأنه تجاوز إطار الظاهرة البشرية، أو يتناوله في أسلوب دعاء على لسان المؤمنين يضرعون فيه إلى ربهم ألا يؤاخذهم بما وقع منهم تحت سلطانه، وهذا أقصى ما ينبغي أن يتحدث به القرآن عن ظاهرة بشرية جبرية كهذه، فهو إذن لا يحتاج إلى تحليل أو تقويم، أو إصدار أحكام كما سنرى في النوع الثاني.
وتناول القرآن الكريم لهذا النوع من النسيان بصوره الثلاث: النفي والدعاء والإخبار جاء في أحد عشر موضعا.
(١) - في صورة النفي:
(أ) - نفاه القرآن نفيا قاطعا عن رب العالمين، الذي ربى الوجود كله بنعمه، ورعاه بحكمته وخبرته، وحفظه بقدرته؛ إذ يقول تعالى:{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ}(١)