للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخاصية الخامسة

قصر التحريم على اليهود دون الأجنبي

عصمة المدين من الربا ليست حقا لكل إنسان، بل هي رعاية لا يسبغها اليهود إلا على بني إسرائيل، أما الأجانب عنهم فلا حق لهم في قرض حسن لديهم مهما كانت حاجتهم، ولا يضع اليهود عنهم ربا، ولا يبرئون معدما منهم كما يبرئون المعسر من اليهود، ومع ما استيقنته أنفسهم من مضار الربا في الإضرار بالمدين، فقد تواصى أكثرهم بإقراض الأجنبي بالربا، ليحلوا به من البوار ما يعدل قتله، الذي لا يزالون يرونه واجبا عليهم، ويفسرون ما يقتضيه ذلك الشبه بين جريمة أخذ الربا وجناية القتل من تراث تورثها الجريمة في صدور من تجني عليهم، وتقتضي اليهود أن ينتهوا من ظلم غيرهم بالربا، فيتاح للمسلم أن تسود بينهم وبين أهل سائر الأديان، وقد صار اليهود منتشرين بينهم في دول لا تفرق بين اليهود وسائر رعاياها في شيء من الربا، ويكون لليهود من الاستقرار الاجتماعي والسياسي بما يقدمون من رعاية لنظم العصر ومواثيقه التي تكفل حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية على اختلاف ديانته.

وقد عرض النصارى في تفسيرهم نصوص التوراة، التي لم تنسخ شريعتها في حقهم، لما عليه اليهود من استباحة أخذ الربا من الأجنبي، وذهب أحد آباء الكنيسة الأولين إلى أن أخذ الربا ما كان جائزا إلا من الشعوب السبعة المغضوب عليها التي كان الناموس يأمر بإبادتها، فكانت إباحة أخذ الربا منها من باب الأولى، وانتهت هذه الإباحة مذ دالت تلك الشعوب البائدة وصارت حرمة الربا مطلقة، ولكن الرأي الراجح عندهم أن نصوص التوراة والتلمود حين تدرس في مجموعها بدقة ترد تلك التفرقة بين اليهودي والأجنبي، وتفرض على اليهود الامتناع عن أخذ الربا من الأجانب.

وترى الكنيسة في هذه التفرقة ما ينفي عن الربا عند اليهود وصف الجريمة في القانون الطبيعي بجوهره من العدالة.

وأشار بعض علماء المسلمين إلى ما نعاه القرآن على اليهود في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (١) {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (٢) باعتباره ردا على استحلال اليهود أخذ الربا من الأجنبي (٣).

ويقوم الاستدلال بالنص القرآني في شأن الربا، وإن اختصت عبارته بأكل اليهود أصل أموال غيرهم، على أساس من طبيعة الربا اليهودي، باعتباره اغتصابا لمال المدين وسلبا له. وقيل في سبب وجود عبارة


(١) سورة آل عمران الآية ٧٥
(٢) سورة آل عمران الآية ٧٦
(٣) الربا في نظر القانون الإسلامي، للأستاذ الشيخ محمد عبد الله دراز- مجلة الأزهر المحرم ١٣٧١ ص٦.