للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخاصية الثالثة الربا ظلم للمدين]

الحكمة في تحريم أخذ الربا هي منع استنزاف مال المدين ظلما. وإذا كانت بعض أسفار التوراة تعبر عن الربا بلفظ الزيادة، ومن مادته ربيت أو تربيت، ومربيت في النصوص العبرية والكلدانية والآرامية، إلا أن أكثر ما يطلق على الربا اللفظية العبرية نشخ (بكسر النون والشين المعجمة وسكون الخاء المعجمة) وتعني في أصل مادتها اللغوية العض، وتومئ بذلك إلى أن المرابي يأكل لحم أخيه الذي يداينه بالربا كما ينهشه الثعبان، ويجعل حزقيال في الإصحاح ١٨ بأعداده ١٠ - ١٣ أخذ الربا والمرابحة من سمات سفاكي الدماء. فأخذ الربا أشبه عند اليهود بالقتل، ويقول قائلهم: إن من أراد أن يقتل عدوه بالتي لا تثبت عليه لدى القضاء، فليقرضه بالربا.

ويترتب على هذه الخاصة توجه حظر الربا إلى الدائن الذي يأخذه، حيث يعد المقترض مظلوما تغتصب منه الزيادة على أصل ما اقترض، ولذلك عرف الربا عند اليهود بأنه أخذ الزيادة على الدين غصبا وقهرا (١)، ونجد نصوص سفري الخروج واللاويين تصف المستقرض بأنه فقير، مما يدل على اضطراره. وإنما جاء المقترض مطلقا من الافتقار بعد ذلك في سفر التثنية. واستندوا إلى نصه على فعل الربا في صيغة تشمل الدائن والمدين، فقالوا: إن إثم الربا لا يقع على الدائن وحده، بل يلحق المدين أيضا، كما يأثم من قدم رهنا لضمان دين الربا وشهود عقده، واختلفوا في الكتاب، فقال فريق يأثم بكتابة الربا، وقيل: لا إثم عليه. ويردون تأثيم الضامن وشاهد الربا وكاتبه، إلى أنهم قد أعانوا على المعصية، وخالفوا الذي في سفر اللاويين في الإصحاح ١٩ بالعدد ١٤، من النهي عن وضع حجر عثرة أمام الأعمى (٢).

وفي هذا الاجتهاد ما يشبه حكم الإسلام الذي نصت السنة المطهرة فيه صراحة على لعن مؤكل الربا وشاهده وكاتبه، ولكن القول باعتبار المدين آثما يبدو غير متفق وما جرت به نصوص أسفارهم من استغلال الدائن حاجته وظلمه له.

ونلاحظ أن عسرة المقترضين التي كانت سائدة حين أنزلت التوراة على موسى عليه السلام لازمت اليهود من بعده، وتدل الأسفار التالية لصحفه على أنهم يستقرضون للإنفاق في الزواج وحاجات الزراعة وأداء خراج الملك في سني القحط (٣).

وبقي اقتصادهم معتمدا على الزراعة.

وإذا كان الإنجيل قد أشار إلى مزاولة اليهود


(١) encyclopaedia Britannica ١٩٦٤ vol xx١١ p.٩٠٨ la doctrine sociale de leglise، p. bigo، ١٩٦٦ p. ٣٣١
(٢) دائرة المعارف اليهودية، م١٢ ص٣٩٠.
(٣) سفر نحميا، الإصحاح، العددان ٤و١٠.