للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بدء المفاوضات]

عندما علمت قريش بما فعل محمد. . اختارت رجلا من عقلائها هو حليس بن علقمة فبعثته لمقابلة محمد ومعرفة ما لديه. . فلما أخبر باسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «هذا رجل من قوم يعظمون الهدي فابعثوا له الهدي حتى يراه (١)» فسيقت الإبل في وجهه عليها علامات قلائد تدل على أنها مهداة للبيت. . فوقف مكانه يستعرضها فلم يكلم أصحاب رسول الله كلمة واحدة بل عاد أدراجه إلى مكة فقالت له قريش: ما وراءك؟ قال: أتى القوم بالهدي والقلائد. . وأقبلوا قاصدين البيت معظمين لحرماته ليس معهم سلاح فلا أراهم يصدون عن قصدهم.

فشتمه قريش وقالوا له: إنما أنت أعرابي لا علم لك بهذه الأمور ولقد أخطأنا ببعثك أنت إليهم.

ثم اختاروا عروة بن مسعود الثقفي الذي اشتهر بينهم بالعدالة والرأي وقالوا له: انطلق إلى محمد ولا نؤتى من قبل رأيك. . . فسار إليه عروة وقابله وقال له: يا محمد. .! جمعت أوباش الناس ثم سرت بهم إلى عترتك وبيضتك التي تفلقت عنك لتبيد خضراءهم. . تعلم أنني جئتك من عند كعب بن لؤي وعامر ابن لؤي قد لبسوا جلود النمور عند العوذ المطافيل يقسمون لا تعرض لهم خطة إلا عرضوا لك أمر منها.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنا لم نأت لقتال. ولكن أردنا أن نقضي عمرتنا وننحر هدينا فهل لك أن تأتي قومك فإنهم أهلي وإن الحرب قد أخافتهم، وإنه لا خير لهم أن تأكل الحرب منهم إلا ما قد أكلت فيجعلون بيني وبينهم مدة يزيد فيها نسلهم ويؤمن فيها شرهم ويخلوا بيني وبين البيت فنقضي عمرتنا وننحر هدينا ويخلوا بيني وبين الناس فإن أصابوني فذلك الذي يريدون. .! وإن أظهرني الله عليهم اختاروا لأنفسهم إما قاتلوا معدين وإما دخلوا في السلم وافرين. . فإني والله لأقاتلن على هذا الأمر الأحمر والأسود حتى يمضي أمر الله أو تنفرد سالفتي. . . - رقبتي - (٢)». . . فلما سمع عروة مقالته رجع إلى قريش فقال: (تعلمن أنكم أخوالي وعشيرتي وأحب الناس إلي، ولقد استنفرت لكم الناس في المجامع فلما لم ينصروكم أتيتكم بأهلي حتى سكنت بين


(١) صحيح البخاري الشروط (٢٧٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣٢٦).
(٢) صحيح البخاري الشروط (٢٧٣٤)، سنن أبو داود الجهاد (٢٧٦٥)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣٣٢).