لكن دراسة الحكمة في التشريعات الإسلامية، ليست من قبيل الفروض العلمية الجدلية، التي تنأى عن الغايات الواقعية في الذات الإنسانية، بل إنها ترتبط بالمصلحة، كفكرة إسلامية منضبطة، لا كفكرة مادية منفلتة، ولعل مما يؤكد ذلك، ما انتهت إليه بعض البحوث العلمية من أن الشارع قد ينص " على حكم واقعة معينة، دون أن يدل النص على المصلحة التي قصد النص تحقيقها، ويجد الفقيه أن فهم النص، وتحديد مضمونه، ونطاق تطبيقه، يتوقف على معرفة هذه المصلحة، فعند ذلك يجتهد الفقيه، في التعرف على هذه المصلحة، أو الحكمة، أو العلة، أو الوصف المناسب، مسترشدا بما عرف من عادة الشرع، وتصرفه في الأحكام، مستعينا بروح الشريعة، وعللها المنصوصة، وقواعدها أو مصالحها المستنبطة، فإذا ما توصل إلى هذه الحكمة، وتعرف على تلك المصلحة، فسر النص في ضوئها، وحدد نطاق تطبيقه على أساسها. . . . "(١).
فالربط واضح، إذن، في هذا الصدد، بين المصلحة والحكمة والعلة؛ وإذا كانت العلة وصفا ظاهرا منضبطا، يبنى الحكم عليه، ويربط وجودا وعدما به، فإن من شأن ذلك تحقيق " حكمة تشريع الحكم "، ذلك أن الله سبحانه وتعالى، ما شرع حكما إلا لمصلحة عباده، وأن هذه المصلحة قد تكون جلب
(١) نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي للدكتور حسين حسان ١٩٧١، دار النهضة العربية، ص (م).