والمرتبة الرابعة التي تستنتج من استقراء التوجيه الشرعي، للوقاية من الجريمة، هي القوة التي تحد من استشراء الجريمة، وتغلبها على فئة من المجتمع لتفسده، وتدك دعائمه التي يقوم عليها بنيانه، تلك هي الطريقة الزجرية التي يلجأ إليها ولي الأمر عند استنفاد فرص الإصلاح، فالقلب له حالة الانطماس، والذهن له مرتبة في الانغلاق. فمن انطمس قلبه فإنه لا يفيد فيه نصح ولا توجيه؛ لأنه أصبح كالصخرة الصماء التي لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ. والذهن إذا انغلق أصبح كالباب الموصد، لا يدخل معه أحد، ولا يخرج منه أحد، والمعاندون لشرع الله المتجاوزون لحدوده سبحانه، ممن طبع الله على قلوبهم، فلا يفيد فيهم توجيه، ولا يردعهم نصح، كهذا الباب لا يتحقق النفع إلا بكسره، أو كالجسم المريض بمرض خبيث لا يرجى برء الجسم منه إلا بقطع العضو الموبوء، ولو أنه جزء من الجسم، إلا أن الإبقاء على الجسم لا يتم إلا بذلك، ومن أجل المحافظة على الجسم يحرص الطبيب على المبادرة باستئصال العضو المصاب الذي لا يرجى شفاؤه؛ لأن نزعه من الجسم، فيه مطمع بسلامة باقي الجسم، والإبقاء على صاحبه ممتعا بصحة وسلامة ليعيش ما شاء الله له.
وقد شبه بعض العلماء حوزة الإسلام بدائرة، تحيط بها من جوانبها الحدود، التي بالمحافظة عليها تسلم للإسلام نقاوته، وبتجاوزها يتخلل أمن المجتمع، ويدب الفساد في أرجائه.
ولأهمية أمن المجتمع في البيئة الإسلامية، فإنه قد جاء ذكر هذه المادة ومشتقاتها في كتاب الله أكثر من أربعمائة مرة، واشتق الإيمان منها، الذي هو راحة النفس، بصدق العقيدة؛ ولذا جاء الحديث: «لا إيمان لمن لا أمانة له (١)». ومن الأمانة معرفة واجبات شرع الله، والوقوف عند حدود