كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعس ليلا في المدينة يتحسس أحوال الرعية، فتلك هي مسئولية الحاكم المؤمن الذي يخاف عقاب الله ويرجو ثوابه وكثيرا ما رأى في ظلمات الليل من باك مسح له دمعته، ومن حزين خفف عنه حزنه وألمه، ومن مكروب فرج عنه كربته، وفي إحدى الليالي كان يسير ومعه مولاه أسلم، فاستراح إلى ظل حائط، فسمع امرأة تقول لفتاة لها، وقد ظنت ألا يسمعها أحد:
قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء.
فقالت الفتاة:
أو ما علمت أن أمير المؤمنين عمر نهى عن مذق اللبن بالماء.
قالت المرأة:
- قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء فإنك بموضع لا يراك عمر.
قالت الفتاة:
- إن كان عمر لا يراني فإن رب عمر يراني.
وهنا عجب عمر من قولها وقوة إيمانها ومخالفتها أمها التي أرادتها على المعصية مع فقرها وحاجتها إلى المال.
فقال عمر لمولاه أسلم بصوت ضعيف حتى لا يسمعه أحد.
علم الباب يا أسلم واعرف المكان.
وفي الصباح أرسل أسلم ليعرف له القائلة والمقول لها، فأخبره بأنها فتاة من بني هلال تعيش هي وأمها في ذلك البيت وليس لهما من عائل.
فجمع عمر أولاده على الفور وقال لهم:
هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه؟ ولو كان بأبيكم معل ما سبقه أحد منكم إلى هذه الجارية: