إنك ستتذكر حتما هاتيك الصورة المعهودة، التي طالما وقع حسك عليها حين تتلبد السماء بالغيوم، وهي مسوقة بسياط الرياح لتكثف محتوياتها من الذرات المنتشرة، حتى تلقي بها إلى ميت من الأرض ماء غدقا يوقظ هاجع التراب، فينهض لتفجير طاقة الحياة في البذور الدفينة، لتطل من قبورها أعشابا وأشجارا وأثمارا وأزهارا، ولتنشر على البقاع الأخرى المناهل التي تمد الأحياء من بشر وطير وحيوان بكل ما يعوزها من أسباب البقاء.
ولكن الصورة الرائعة لم تستكمل دلالتها بهذه العناصر والمراحل، إذ تحملك من المشهود إلى المحجوب فتذكرك بالمراحل التي تقطعها أنت كذلك في رحلة الحياة، منذ أبدعتك يد الخلاق العظيم من تراب هذه الأرض حتى تصير بك إلى الخمود الذي رأيت مثله في موات الأرض والنبات، وكما أن خمودها لم يعد أن يكون واحدة من مراحل الإبداع الإلهي يستريحان خلاله من الكدح الدؤوب، إلى حين يأتي أمر الله