الشبهة الثانية: أن الحكمة في تحريم الربا هي إزالة الظلم الناشئ عن استغلال الغني حاجة المحتاج، والظلم غير متحقق في اقتراض كبار التجار وأصحاب رؤوس الأموال من المصارف بالفوائد لتنمية أموالهم وتجارتهم ومصانعهم؛ لأنهم ليسوا محتاجين ويستأنس الكاتب بقول الشيخ رشيد رضا: ولا يخفى أن المعاملة التي ينتفع ويرحم فيها الآخذ والمعطي التي لولاها فاتتهما المنفعة معا لا تدخل في هذا التعليل {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}(١).
الرد على هذه الشبهة: إن الشبهة ليست بشيء في مقام الاستدلال لما يأتي: أ) إن حكمة تحريم الربا ليست منحصرة في إزالة الظلم الناشئ عن استغلال الغني حاجة الفقر، بل هناك حكم أخرى للتحريم، منها القضاء على البطالة والكسل بالنسبة للدائنين ودفعهم إلى العمل واستخلاص الرزق بالسعي في الأرض والمشي في مناكبها. ومنها أنه يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل لعدم العوض المقابل للزيادة الربوية. ومنها أنه يؤدي للعداوة والبغضاء والمشاحنات والخصومات؛ لأنه ينزع عاطفة التراحم من القلوب وتضيع به المودة ويذهب المعروف بين الناس وتحل القسوة محل الرحمة.