عن أبي العوام البصري، قال كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري، أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك (وأنفذ إذا تبين لك)(١) فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا (أي لا يخالف النظام العام في اصطلاح أهل العصر). ومن ادعى حقا غائبا، أو بينة فاضرب له أمدا ينتهي إليه، فإن جاء ببينة أعطيته حقه، فإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية، فإن ذلك أبلغ في العذر، وأجلى للعمى، ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم فرجعت فيه لرأيك، وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق لأن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل (وهو ما يعبر عنه اليوم بالعدول عن اجتهاد سابق واتباع اجتهاد جديد). والمسلمون عدول بعضهم على بعض في الشهادة إلا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة الزور، أو ظنينا في ولاء أو قرابة فإن الله عز وجل تولى من العباد السرائر، وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان. . . ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال والأشباه، ثم اعمد إلى أحبها إلى الله فيما ترى، وأشبهها بالحق، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس عند الخصومة والتنكر، فإن القضاء في مواطن الحق يوجب الله له الأجر، ويحسن به الذخر، فمن خلصت نيته في الحق- ولو كان على نفسه- كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين لهم بما ليس في قلبه شانه الله، فإن الله لا يقبل من العباد إلا ما