شغل الفقه الإسلامي عقول أبناء هذه الأمة منذ هداها الله -عز وجل- إلى دينه، فقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يعرض لهم، وكان الوحي يتنزل عليه من السماء بالقول الفصل والحكم القاطع، وحين انقطع الوحي، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، كان صحابته رضوان الله عليهم قد فقهوا في دينهم، وكان بعضهم كعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب مرجعا مهما في كثير من المعضلات التي تحدث في الأمة، وهكذا كان العلماء يتسلم الراية بعضهم من بعض، وينظرون فيما يجد في حياتهم من مسائل على هدى من سبقهم، ويعملون الفكر استنباطا من كتاب الله وسنة رسوله، حتى بنوا هذا الصرح الشامخ من الدراسات الفقهية، الذي واكب الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل، ووضع لها القوانين والأحكام الضابطة، وقد أدى اختلاف النظر، وتوسع رقعة البلاد الإسلامية، إلى نشأة المذاهب الفقهية، وتعدد مدارس الفقه، وتبع كل مذهب فريق من رجال الفكر على مر العصور، يمحصون قول صاحب المذهب، ويستدلون له، وقد يخالفه بعضهم في بعض المسائل، وقد أثرى هذا الجهد الرائع حصيلة الفقه الإسلامي، وملأ جوانبه نقاشا ودراسة، مما أتاح له علاج المشكلات، والإفتاء في جميع النوازل التي وقعت.
وإذا كانت كتب الفقه في المذاهب المختلفة قد قامت بتسجيل ذلك كله، وتشعبت مناهجها في تفصيل