لاحظ أن الخطبة اشتملت على سمات يحتاجها الأسلوب الخطابي، ويمتاز به من غيره من الأساليب، وقد بلغت الخطبة من هذه السمات الخطابية ذروة واضحة وإذا ذهبنا نتبين أبرز هذه السمات، نجدها كما يلي:
١ - تخصيص الخطاب: ومما تعتمد عليه الخطبة اعتمادا أساسيا التخصيص في الخطاب، فليس الكلام موجها إلى كل سامع، وإنما هو موجه إلى الأنصار بالذات، بحيث يشعرون أن هذا الكلام خاص بهم، وموجه إليهم، وهذا أساس هام من الأسس التي يمتاز بها أسلوب الخطابة عن غيره من أساليب الأدب، فالأسلوب العادي يكفي فيه أن يكون الكلام موجها إلى أي سامع؛ أما الخطابة فلكي تكون مؤثرة ينبغي أن يشعر السامع أنه معني بهذا الكلام بصفة خاصة، وأن ما يقال موجه إليه دون غيره، أو قبل غيره على الأقل فهذا الشعور يملأ نفس السامع اهتماما وإصغاء. والخطبة تحفل بتذكير الأنصار بأنهم هم المخاطبون فابتدأت بعبارة " يا معشر الأنصار " ثم تكرر هذا التعبير. وتكرر ذكر الأنصار مرات عديدة، وكأن الخطبة تراعي أنهم كلما استغرقوا في تعميق المعاني ومتابعة الخطبة، أعادهم هذا النداء " يا معشر الأنصار " إلى التنبه والتيقظ، فضلا عن إشعارهم بأنهم المخاطبون والمعنيون.
٢ - الأسئلة: ومما تعتمد عليه الخطبة أيضا تكرار توجيه السؤال إلى المخاطبين فإن توجيه الأسئلة إلى السامعين يحقق للخطيب عدة أهداف، منها أن المسئول دائما في موقف أضعف من موقف السائل، من حيث إن السؤال يتطلب جوابا، وليس من المؤكد أن يحسن المسئول كل الإحسان في الإجابة، وإذا أحسن في بعضها فقد يسيء أو يقصر في بعض آخر، وضعف موقف المسئول في ظروف الخطابة يهيئ نفسه للاستجابة، بل إلى الانقياد إذا أحسن الخطيب القياد، ومما تحققه الأسئلة من أهداف أنها توقظ عقول السامعين، وتثير حماسهم واهتمامهم للبحث عن إجابة فيما بينهم وبين أنفسهم، وهذه اليقظة يحتاجها الخطيب ليعوا كلامه وأهدافه، والواقع أن الخطيب لا ينتظر من السامعين الإجابة ولا يتوقعها بل هو الذي سيجيب عن أسئلته، لأنها أسئلة هادفة، صاغها بطريقة معينة في تسلسل وترتيب يؤدي بها عادة إلى إجابة تلقائية يريدها الخطيب.
والخطبة حافلة بالأسئلة العديدة المتنوعة، بل تكاد الأسئلة تكون أبرز ما فيها فقد استهلها النبي - صلى