الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي الأمين محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد:
فإن الله - سبحانه - أرسل رسوله محمدا بالهدى والنور وشرع له لأمته شريعة هي منتهى الكمال والسمو، وفيها ما يحتاج الناس إليه في أمور دينهم ودنياهم فيها الوعد والإغراء لمن تمسك بحبل الله، وأحل ما أحل الله ورسوله، وحرم ما حرم الله ورسوله، ودان دين الحق بأن يمكن الله له في الأرض، ويزيده بصيرة عند انبهام الأمور، ويقينا عند اضطراب الأفكار، وفرقانا يفرق به بين الحق والباطل، قال الله - سبحانه وتعالى -: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}(١) وعلم سبحانه حاجة عباده إلى حفظ ما تتوقف حياتهم الطيبة عليه، مما سماه العلماء الضروريات الخمس التي هي حفظ الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال، وشرع عقابا صارما يرتب ردعا وزجرا، وينتج عنه أمن واستقرار، وأعطى كل ذي رعاية ما هو مؤهل لتحمله، وجعل عليه مسئولية بقدر ما أعطاه من سلطة، فللإمام العام سلطة واسعة وعليه مسئولية عظيمة، عليه مسئولية الحفاظ على كيان الأمة، والعناية بحماية حرماتها، وصيانة معتقدها وأنفسها وعقولها وأعراضها وأموالها، وشرع عقوبات جعل بعضها خاصا بصاحب المسئولية العامة والولاية العليا، يوقع منها ما يضمن قمع الباطل وكبح جماح أهل الفساد، ويزجر به مرضى النفوس الذين لا يزعهم إيمانهم لضعفه، ولا يوقف اندفاعهم إسلامهم لخفته وقلة مبالاتهم، فهم بحاجة إلى زاجر سلطاني وعقوبة شرعية.
فلذا شرع سبحانه الحدود التي هي أصلح علاج لأمراض الأمة، وأنجع دواء لأدوائها، ابتداء بحد القذف والخمر، وانتهاء بحد الرجم وقطع يد السارق، وعقوبة المحاربين ومن ألحق بهم من أهل الجرائم، وما كان من هذه الجرائم فرديا يقع أثره على الأفراد جعل حده غير قابل للزيادة والنقصان، وما كان من الجرائم أثره عاما يهدد كيان الأمة بالاضطراب، ويجرئ أهل الشر على الخروج علانية، شرع له عقوبة قوية وجعل أمرها عائدا إلى ولي أمر الأمة، وراعي مصالحها، والمسئول عن المحافظة على أمنها وإشاعة العدل والأمان بين أفرادها، ومن ذلك جريمة المحاربين الساعين في الأرض بالفساد، وحصر جزاء هذه الفئة بما ذكره سبحانه في آية المائدة حيث قال عز وجل