للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سابعا: " الشفاعة العظمى "

الشفاعة العظمى مما اختص الله سبحانه به نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - كما بين الله تعالى ذلك في محكم التنزيل فقال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (١) قال ابن جرير: وعسى من الله واجبة، وإنما وجه قول أهل العلم: عسى من الله واجبة؛ لعلم المؤمنين أن الله لا يدع أن يفعل بعباده ما أطمعهم فيه من الجزاء على أعمالهم والعوض على طاعتهم إياه ليس من صفته الغرور، ولا شك أنه قد أطمع من قال ذلك له في نفعه إذا هو تعاهده ولزمه، فإنه لزم المقول له ذلك وتعاهده ثم لم ينفعه، ولا سبب يحول بينه وبين نفعه إياه مع الإطماع الذي تقدم منه لصاحبه على تعاهده إياه ولزومه فإنه لصاحبه غار بما كان من إخلافه إياه فيما كان أطمعه فيه بقوله الذي قال له. وإذا كان ذلك كذلك، وكان غير جائز أن يكون جل ثناؤه من صفته الغرور لعباده صح ووجب أن كل ما أطمعهم فيه من طمع على طاعته، أو على فعل من الأفعال، أو أمر أو نهي أمرهم به، أو نهاهم عنه فإنه موف لهم به. وإنه منه كالعدة التي لا يخلف الوفاء بها، قالوا: عسى ولعل من الله واجبة. وتأويل الكلام أقم الصلاة المفروضة يا محمد في هذه الأوقات التي أمرتك بإقامتها فيها، ومن الليل فتهجد فرضا فرضته عليك، لعل ربك أن يبعثك يوم القيامة مقاما تقوم فيه محمودا تحمده، وتغبط فيه. ثم اختلف أهل التأويل في معنى ذلك المقام المحمود، فقال أكثر أهل العلم: " ذلك هو المقام الذي يقومه - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم " (٢).


(١) سورة الإسراء الآية ٧٩
(٢) جامع البيان عن تأويل آي القرآن جـ ١٥ صـ ١٤٣، ١٤٤.