لقد مر على الإنسان حين من الدهر وهو يعاني الإشكال في حصوله على احتياجه من طعام وشراب ومسكن ومركب ونحو ذلك، فهو مدني بطبعه، قليل بنفسه، كثير ببني جنسه، لا يستطيع العيش بدون معونتهم؛ فبالرغم من البساطة التامة في حياته إبان العصور الأولى، فقد كان محتاجا إلى ما عند الآخرين، فإن كان مزارعا فهو محتاج إلى أدوات الحرث والري من الصناع، وإن كان صيادا أو راعي أنعام فهو محتاج إلى بعض الحبوب والثمار من المزارعين. ولا شك أن كل فرد في الغالب يضن ببذل ما عنده لحاجة غيره، ما لم يكن ذلك البذل في مقابلة عوض.
وتحقيقا لعوامل الاحتياج نشأ لديهم ما يسمى بالمقايضة، بمعنى أن الصياد أو مستنتج الأنعام مثلا يشتري حاجته من الإنتاج الزراعي، مما يملكه من لحوم وأصواف وجلود وأنعام وهكذا.
ويعتقد علماء الاقتصاد أن نظام المقايضة قد ساد وقتا ما، إلا أن تطور الحياة البشرية، وما يعترض الأخذ بمبدأ المقايضة من صعوبات أهمها:
(أ) صعوبة التوافق المزدوج بين متبادلين، فصاحب القمح قد لا يجد من يبادله بما هو في حاجة إليه من أدوات الحرث مثلا.
(ب) صعوبة توازن قيم السلع وحفظ نسب التبادل بينها، فلا يمكن قياس كمية من السكر بجزء من السمن أو الشاي أو غيرهما إلا بعناء.