للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية وصول اللبن إلى الجوف]

ذهب فريق من العلماء إلى أن اللبن لا يحرم إلا إذا وصل إلى الجوف عن طريق الرضاع المباشر من ثدي المرأة، أي أن الطفل يجب أن يمتص اللبن من ثدي المرأة مباشرة وبدون واسطة، أما إذا وصل إلى الجوف بطريقة أخرى كأن يحلب اللبن ويصب في فمه - وهذا ما يسمى بالوجور - أو أنه يصب في أنفه - وهذا ما يسمى بالسعوط - فإنه لا يعتبر محرما، ومن القائلين بهذا الرأي ابن حزم حيث ذكر في المسألة (١٨٦٦) ما نصه: وأما صفة الرضاع المحرم فإنما هو ما امتصه الراضع من ثدي المرأة بفيه فقط، فأما من سقي من لبن امرأة فشربه من إناء أو حلب في فيه فبلعه أو أطعمه بخبز أو في طعام أو صب في فمه أو في أنفه أو في أذنه أو حقن به فكل ذلك لا يحرم شيئا، ولو كان ذلك غذاءه دهره كله.

ثم برهن على قوله حيث قال: وبرهان ذلك قول الله عز وجل: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (١) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (٢)». فلم يحرم الله تعالى ولا رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى نكاحا إلا بالرضاع والرضاعة، والرضاع فقط، ولا يسمى إرضاعا إلا ما أرضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع، يقال: أرضعته ترضعه إرضاعا ولا يسمى رضاعة ولا إرضاعا إلا ما أخذ المرضع أو الرضيع بفيه الثدي وامتصاصه إياه، تقول رضع يرضع رضاعا ورضاعة، وما عدا كل ذلك مما ذكرنا فلا يسمى شيء منه إرضاعا ولا رضاعة ولا رضاعا، وإنما هو حلب وطعام وسقاء وشرب وأكل وبلع وحقنة وسعوط وتقطير، ولم يحرم الله عز وجل بهذا شيئا (٣).


(١) سورة النساء الآية ٢٣
(٢) صحيح البخاري الشهادات (٢٦٤٥)، صحيح مسلم الرضاع (١٤٤٧)، سنن النسائي النكاح (٣٣٠٦)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٣٨)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٧٥).
(٣) المحلى لابن حزم جـ ١٠ ص ٩.