للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باب: الحكمين كيف يعملان

قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (١) وقد اختلف في المخاطبين بهذه الآية من هم؟ فروى عن سعيد بن جبير والضحاك: أنه السلطان الذي يترافعان إليه. وقال السدي: الرجل والمرأة. قال أبو بكر: قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} (٢) هو خطاب للأزواج لما في نسق الآية من الدلالة عليه وهو قوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} (٣) وقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} (٤) الأولى أن يكون خطابا للحاكم الناظر بين الخصمين والمانع من التعدي والظلم وذلك لأنه قد بين أمر الزوج وأمره بوعظها وتخويفها بالله ثم بهجرانها في المضجع إن لم تنزجر، ثم بضربها إن أقامت على نشوزها. ثم لم يجعل بعد الضرب للزوج إلا المحاكمة إلى من ينصف المظلوم منهما من الظالم ويتوجه حكمه عليهما، وروى شعبة عن عمرو بن مرة قال: سألت سعيد بن جبير عن الحكمين فغضب وقال: ما ولدت إذ ذاك فقلت إنما أعني حكمي شقاق قال: إذا كان بين الرجل وامرأته درء وتدارؤ (٥) بعثوا حكمين فأقبلا على من جاء التدارؤ من قبله فوعظاه فإن أطاعهما وإلا أقبلا على الآخر فإن سمع منهما وأقبل إلى الذي يريدان وإلا حكما بينهما فما حكما من شيء فهو جائز.

وروى عبد الوهاب: قال حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير في المختلعة يعظها، فإن انتهت وإلا هجرها فإن انتهت وإلا ضربها، فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان فيبعث حكما من أهلها وحكما من أهله فيقول الحكم الذي من أهلها: يفعل كذا ويفعل كذا، ويقول الحكم الذي من أهله: تفعل به كذا وتفعل به كذا. فأيهما كان أظلم رده إلى السلطان وأخذ فوق يده وإن كانت ناشزا أمروه أن يخلع.

قال أبو بكر: وهذا نظير العنين والمجبوب والإيلاء، في باب أن الحاكم هو الذي يتولى النظر في ذلك والفصل بينهما بما يوجبه حكم الله. فإذا اختلفا وادعى النشوز وادعت هي عليه ظلمه وتقصيره في حقوقها حينئذ بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها ليتوليا النظر فيما بينهما ويردا إلى الحاكم ما يقفان عليه من أمرهما.


(١) سورة النساء الآية ٣٥
(٢) سورة النساء الآية ٣٤
(٣) سورة النساء الآية ٣٤
(٤) سورة النساء الآية ٣٥
(٥) قوله درء الخ. الدرؤ الاعوجاج والاختلاف ومثله التدارؤ (المصححة).