بعد هذا العرض السريع لآراء الفقهاء يمكنني أن أقول أنه لا مانع من التعويض عن تغير قيمة النقود الاصطلاحية بتقديرها بالذهب، وبالرغم مما قدمت من أن الذهب أيضا يعتريه التغير أحيانا تبعا لكميته في السوق ولكنه تغير نسبي ولما كان لا بد من مقياس تقاس به قيم النقود الاصطلاحية فإنه لا يوجد إلى اليوم ما يقوم مقام الذهب في هذه الوظيفة.
فمن ترتب عليه حق مالي بأي سبب كان ثم تعرض النقد الثابت في ذمته إلى الرخص والغلاء قدرت قيمته يوم وجوبه بالذهب وأدى القيمة إلى الدائن وهو ما قرره ابن عابدين والصاحبان من الحنفية، وقبل المضي في آثار هذا الحكم يجب التنبه إلى أنه لا يتناول تغير القوة الشرائية لرأس مال المضاربة بيد العامل لأن رأس المال هنا ملك لصاحبه ولا يضمن العامل هلاكه فضلا عن تغير قيمته، ويثور هنا السؤال التالي: ألا يترتب على هذه النتيجة الوقوع في الربا؟.
لقد استقر أخيرا أن النقد الورقي المعاصر جنس مستقل ليس بذهب ولا فضة ولا فلوسا، بل هو نقد اصطلاحي تعارفه الناس فإذا ترتب لشخص في ذمة آخر مبلغ من المال فارتفعت قيمتها أو انخفضت فحكمنا برد المبلغ مقوما بالذهب يوم الأجل فكان المبلغ المحكوم به أكبر من كمية القرض الأول فهل يعد ذلك من التعامل بالربا.