لو تأملنا هذه الأركان، لوجدناها أركانا تخضع لاستقراء العلماء واستنباطهم؛ فمنهم من جعلها ركنا واحدا، ومنهم من جعلها ركنين، مع اختلاف في تحديد الركنين، ومنهم من جعلها ثلاثة أركان. ومنهم من اكتفى بصحة السند، ومنهم من أضاف إليه الموافقة للرسم، ومنهم من أضاف الموافقة للغة، وفي كل شرط خلاف؛ ففي السند: من العلماء من ذهب إلى اشتراط التواتر، ومنهم من اشترط الشهرة، ومنهم من اكتفى بصحة السند ولو نقل آحادا.
وفي موافقة الرسم: منهم من اشترط الموافقة تحقيقا، ومنهم من قبلها ولو تقديرا، ومنهم من أضاف ولو احتمالا، وفي موافقة اللغة كلام استوفيناه في موضعه.
والذي لا شك فيه، بل المجمع عليه، هو صحة السند، بل أرى أنه الركن الوحيد الذي ينبغي أن يقتصر عليه، والذي أعنيه بصحة السند ليس مجرد الصحة، بل التواتر؛ ذلك لأن القرآن كله متواتر، لا يشك في ذلك مسلم من المسلمين، وقراءته يتعبد بتلاوتها المؤمنون، وقراءاته المختلفة لا ضير بالاكتفاء ببعضها؛ لأنها كلها قرآن؛ فأرجلكم من قوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}(١) قرآن، وأرجلكم بالكسر، في نفس الموضع، قرآن، (ومالك يوم الدين) إن قرأت بهذه القراءة قرآن، وملك يوم الدين قرآن، إن شئت قرأت بهذه أو بتلك. فالقراءة قرآن يتعبد بتلاوتها، فلا بد من تواترها لإثبات قرآنيتها.
أما القراءة التي لم تتواتر سندا، فلا تعتبر قراءة، مهما أضفت إليها من معايير