للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفرع الثاني: أسباب قناعة الصحابة الكرام ببيعة الصديق رضي الله عنه:

كانت مواقف الصديق رضي الله عنه منذ إسلامه تبشر بمستقبل حافل بجلائل الأمور، وكأن الله عز وجل كان يعده من اللحظة الأولى لأمر عظيم، فقد كان أسبق الرجال إلى الإسلام، ولم يعبأ بموقف قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لم يفكر في تجارته التي قد يعتريها الكساد، وجعل ذلك كله في سبيل الدعوة، فخرج من ماله ووقف في أحلك المحن إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمستضعفين من أتباع الدعوة رضي الله عنهم (١).

ولما حدث الإسراء والمعراج رأت قريش أن ذلك هو الذي سيفتن الصديق ويرده عن التصديق، فذهبوا إليه- دون شك منهم في تركه للإسلام بعد سماعه الخبر - ولكنهم صدموا عندما قال لهم: إن كان قال فقد صدق.

وفي يوم الهجرة يبرز جانب من جوانب تضحيته- رضي الله عنه- إذ دخل الغار قبل الرسول صلى الله عليه وسلم ليتأكد من خلوه من الهوام.

وفي طريق الهجرة كان يسير مرة أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ومرة خلفه وثالثة عن يمينه وأخرى عن شماله، ولما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك أجابه بقوله: يا رسول الله، أذكر الرصد فأمشي أمامك، وأذكر الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الكمين فأمشي مرة عن يمينك


(١) انظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج ٣ ط [بيروت: دار صادر] ص ١٧٢.