للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عمر ونشر الدعوة الإسلامية]

عمل عمر جهده وصرف عنايته على نشر الدعوة الإسلامية بتبليغها للناس ودعوتهم إليها بالحسنى، فصار يرسل إلى القادة وإلى الأمراء والحكومات يدعوهم إلى الإسلام، ويرسل الفقهاء لدعوة الناس وتعليمهم الدين الصحيح وحقيقة التوحيد، وقد آتى ذلك ثماره ودخل الناس في دين الله أفواجا، فوضع عمر الجزية عمن أسلم، فكان ذلك دافعا لدخول الناس في الدين الجديد حين علموا صفاءه ونقاءه، وأنه لا يرهق الناس ولا يبخسهم حقهم، ولقد لامه بعض عمال الأقاليم على سياسة وضع الجزية، ولكن عمر يجابهه بالقول الفصل: " ضع الجزية عمن أسلم قبح الله رأيك؛ فإن الله إنما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم هاديا ولم يبعثه جابيا، ولعمري لعمر أشقى من أن يدخل الناس كلهم في الإسلام على يديه " (١).

وفي خراسان أقلق بعض من لهم مصالح خاصة دخول الناس بكثرة في الإسلام، فتقدموا إلى الجراح عاملها أن يمتحن هؤلاء الناس بالختان؛ ليعرف رغبتهم الحقيقية، فنقل الجراح ذلك إلى عمر. فرد عليه ردا حاسما قاطعا: " إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم داعيا ولم يبعثه خائنا " (٢). وتأتي إليه رسالة عامله على البصرة التي يقول فيها: " الناس قد كثروا في الإسلام وخفت أن يقل الخراج ". فيجيبه عمر: " فهمت كتابك، والله لوددت أن الناس كلهم أسلموا حتى نكون أنا وأنت حراثين نأكل من كسب أيدينا" (٣).

وتوسع عمر في دعوته فأرسل الرسائل إلى جميع ملوك الأرض يدعوهم إلى الدخول في الإسلام، فأرسل إلى الهند وإلى ما وراء النهر، فاستجاب له خلق كثير، ونشط عمال الولايات حين رأوا هذه الرغبة من عمر حتى أنه


(١) طبقات ابن سعد ج ٥ ص ٢٨٣.
(٢) الطبري: ج ٦ ص ٥٥٩ - ٥٦٠.
(٣) ابن الجوزي ص ٩٩ - ١٠٠.