للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رابعا: حكم تعليم الكافر القرآن:

اختلف أهل العلم في ذلك، وفيما يلي نقول عنهم يتبين منها أقوالهم وأدلتهم ومناقشتها.

١ - النقول عن المفسرين:

أ- قال الجصاص:

"قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ} (١) وقد اقتضت هذه الآية جواز أمان الحربي إذا طلب ذلك منا ليسمع دلالة صحة الإسلام؛ لأن قوله تعالى: استجارك - معناه استأمنك، وقوله تعالى: فأجره معناه فأمنه حتى يسمع كلام الله الذي فيه الدلالة على صحة التوحيد وعلى صحة نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يدل على أن الكافر إذا طلب منا إقامة الحجة عليه وبيان دلائل التوحيد والرسالة حتى يعتقدهما لحجة ودلالة كان علينا إقامة الحجة وبيان توحيد الله وصحة نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه غير جائز لنا قتله إذا طلب ذلك منا إلا بعد بيان الدلالة وإقامة الحجة؛ لأن الله قد أمرنا بإعطائه الأمان حتى يسمع كلام الله، وفيه الدلالة أيضا على أن علينا تعليم كل من التمس منا تعريفه شيئا من أمور الدين؛ لأن الكافر الذي استجارنا ليسمع كلام الله إنما قصد التماس معرفة صحة الدين" (٢).

ب- قال القرطبي:

"قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (٣) أي من الذين أمرتك بقتالهم، استجارك أي سأل جوارك، أي: أمانك وذمامك، فأعطه إياه ليسمع القرآن، أي: يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه، فإن قبل أمرا فحسن، وإن أبى فرده إلى مأمنه، وهذا ما لا خلاف فيه، والله أعلم.

قال مالك: إذا وجد الحربي في طريق بلاد المسلمين فقال: جئت أطلب الأمان. قال مالك: هذه أمور مشتبهة، وأرى أن يرد إلى مأمنه. وقال ابن القاسم: وكذلك الذي يوجد وقد نزل تاجرا بساحلنا فيقول: ظننت ألا


(١) سورة التوبة الآية ٦
(٢) أحكام القرآن ج ٣ ص ١٠٣.
(٣) سورة التوبة الآية ٦