للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السادس من مسالك الاستدلال (١):

أن الله سبحانه وتعالى قال بعد أن قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٢): يعني فإن طلقها الزوج الثاني فلا جناح عليها، ولا على الزوج الأول أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله، ووجه الاستدلال أنه سبحانه عبر بإن فقال: " فإن طلقها ". ولم يقل: " إذا ". وفرق بين الحرفين؛ فإن " إن " في لسان العرب تستعمل فيما يمكن وقوعه وعدم وقوعه، أما " إذا " فإنها تستعمل فيما يقع لازما أو غالبا، ولذلك تقول العرب: إذا احمر البسر فأتني. ولم يقولوا: إن احمر البسر فأتني؛ لأن احمرار البسر واقع لازما أو غالبا، والإتيان بإن هاهنا يفيد أن النكاح في قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٣) نكاح يقع فيه الطلاق تارة ولا يقع فيه تارة أخرى، وهذا ليس شأن نكاح المحلل؛ فإنه نكاح يقع فيه الطلاق لازما أو غالبا، فأفاد ذلك أنه ليس داخلا في قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٤) وإلا فيقال: فإذا طلقها وبذلك يعلم أن الآية دالة على أن النكاح المقصود في الآية نكاح معتبر يفيد الدوام واللزوم، فلا يكون نكاح المحلل داخلا، فلا تكون الآية دالة عليه فلا يعتبر في تحليل المرأة لزوجها الأول، فإن قيل: إن الآية عمت كل نكاح فلهذا قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} (٥)؛ إذ من الناكحين من يطلق ومنهم من لا يطلق، وإن كان غالب المحللين أنه يطلق فيكون نكاح المحلل داخلا.

وقد أجاب ابن تيمية عن ذلك فقال: لو أراد سبحانه ذلك لقال: فإن فارقها؛ لأن الزوج الثاني قد يموت عنها، وقد تفارقه بانفساخ النكاح بحدوث أمر كرضاع أو لعان أو بفسخه لعسرة أو غيره فتحل للزوج بواحد من هذه الأشياء، ومعلوم أن هذه الأشياء ليست بيد الزوج، وأن الذي بيده خاصة هو


(١) الفتاوى الكبرى ص٢٠٧ وما بعدها جـ٣.
(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٣) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٤) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٥) سورة البقرة الآية ٢٣٠