ونفس لا إيمان فيها تبقى مضطربة وقلقة، وتائهة وخائفة: -
فأما اضطرابها فلأنها كالسفينة التي تتقاذفها الرياح في البحر. فتموج بها تقلبات الجو يمينا وشمالا، وتتقاذفها العوامل المؤثرة التي تطغى عليها. فهي لم تجد ما يرسيها، أو يوصلها لبر الأمان؛ لأن كل نفس تأخذ مصدرا تشريعيا في سلوكها، أو منهجا عقديا في تصرفاتها. غير المصدر الذي أوجده الله للمؤمنين، وارتضاه سبحانه لعباده وبعث به رسله، فإنه لا يلبي رغبة، ولا يريح نفسا، ولا يحقق هدفا.
والمصدر الذي ارتضاه الله هو كتابه القويم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ لأنه تنزيل من عزيز حكيم، ثم ما بلغ به المصطفى من وحي عن ربه أو أوضحه من شرع لصالح الأمة، وإنقاذهم من الضلالة، مما يعالج ما يختلج في النفوس، ويؤرق الضمائر.
وبهذين المصدرين تسكن النفس من اضطرابها، وترتاح في مسيرتها، وتطمئن على حاضر أمرها ومستقبله.
أما كونها فلسفة: فإن من الغرائز التي أودعها الله في النفوس حب استجلاء المستقبل والتخوف من العواقب، ولكي تسير في اتجاهها: تلجأ يمينا وشمالا للبحث عما يحقق قبسا من أملها أو راحة من ضمير، ولا يمحو هذا القلق والحيرة من النفوس، إلا يقين يزيل دواعي هذا القلق، ويقضي على مسبباته، والإيمان بالقدر خيره وشره، واليقين بأن ما قدره الله كائن لا محالة، والرضا بما قسم الله: من أقوى دعائم هذا اليقين كما في حديث ابن عباس.
وأما كونها تائهة: فإن من يسير بغير هدى، أو معرفة لشرع الله الذي شرع لعباده: فإنه كالمسافر في طريق لا يعرف اتجاهه. وطرق المسالك في العبادة