إن وقوف المسلمين صفوفا مستوية ومتراصة، فالأقدام والركب والأكتاف متراصة كالبينان المرصوص دون ترك أية فرجة للشيطان، ودون أن يقطع الصفوف أي حاجز واصل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعة الله (١)»، حتى إن بعض المساجد أخذت تطبق في بنائها هذا الحديث فاستغنت عن الأعمدة والصواري التي كان الصحابة الكرام يطردوا من الصلاة بين الصواري طردا لعدم قطع الصف بينما أخذت بعض المساجد تقلل ما أمكن من الأعمدة كحد أدنى. إن هذا التراص في الصفوف ومراعاة جعل الإمام أمامها في منتصفها بحيث يكون جناحه الأيمن يعادل جناحه الأيسر، وعند البدء بصف جديد يبدأ من المنتصف خلف الإمام مباشرة، وهكذا يمينا وشمالا حتى يكمل، وهكذا هو تدريب المسلمين على تراص الصفوف في الجهاد وأمام العدو.
وقد اختلفت طبيعة القتال، فقد كانت صفوف المتحاربين تعتمد على تراص المقاتلين جنبا إلى جنب، أما قتال اليوم وطبيعة الأسلحة فالتراص ليس بالأشخاص وإنما بفعالية الأسلحة، لكن المبدأ يبقى وهو عدم ترك أية فرجة بين المقاتلين يستطيع العدو أن ينفذ خلالها إلى داخل الصفوف، وعندما استطاع العدو أن ينفذ داخل صفوف المقاتلين المصريين في عام ١٩٧٣، فإن هذا دليل عدم فهم حكمة التراص في الصلاة، التي تتكرر خمس مرات يوميا بالإضافة إلى كونه عدم التزام التراص عمليا كما هو مشاهد اليوم في كثير من بلاد المسلمين إلا من رحم ربك؛ حيث ترى أحيانا حتى عدم تماس بين المصلين، وهذا الأثر يترك مغزى هاما للمتبصر في الأمور بضعف الرابط الأخوي بين المسلمين المصلين فضلا عن العداوة والبغضاء بين أفراد الأمة الإسلامية التي يجب أن تكون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر