المسألة الرابعة: إلقاء أحد ركاب سفينة خشي عليها العطب
فيلقى أحدهم في البحر بقرعة لينجو الباقون
الأصل في المسلمين أنهم سواء في عصمة الدم ووجوب المحافظة على حياتهم، فإذا ركب منهم جماعة سفينة، ثم أحدق بها الخطر وخشي من فيها على أنفسهم الغرق، وعلموا أو غلب على ظنهم أن لا نجاة لهم إلا بتخفيف السفينة بإلقاء واحد منهم بالقرعة، فهل يجوز لهم ذلك أو لا؟ هذا محل نظر واجتهاد، ولذا اختلف فيه العلماء، فبعضهم لا يرى القرعة في مثل هذه المسألة، لاستواء الركاب في عصمة الدم، ووجوب محافظة كل منهم على حياته، فيحرم على كل منهم أن يلقي بنفسه في اليم لإنقاذ الباقين، ويحرم عليهم جميعا أن يلقوا واحدا منهم بقرعة أو بدونها؛ لأن مصلحة إنقاذ الباقين جزئية لا كلية، ونجاتهم بإلقائه ظنية لا قطعية، وبعضهم يرى إلقاء واحد منهم لإنقاذ الباقين لأن المصلحة هنا وإن كانت جزئية فهي متضمنة للمحافظة على أقوى المصلحتين وهو إنقاذ الجماعة التي لم تلق في اليم بتفويت مصلحة من ألقي فيه، وهذا مستلزم لارتكاب أخف المفسدتين، وهو إلقاء أحدهم في اليم تفاديا لأشدهما وهو هلاك الجميع إذا لم يلق أحدهم بالقرعة، وكون نجاة من بقي ظنية لا تأثير له في منع إلقاء واحد ما دام ظنا غالبا لا وهما، فإن الظن الغالب تبنى عليه الأحكام، فإن القتل العمد العدوان يثبت به حق القصاص بشهادة عدلين بالسرقة وأربعة بزنا البكر والمحصن إلى غير هذا مما يفيد غلبة الظن وتثبت به الأحكام في الضروريات الخمس المعروفة.
أما اعتبار القرعة أصلا تبنى عليه الأحكام فهذا مما لا ينبغي أن يختلف فيه بعد ثبوته، وبناء الأحكام عليه في الكتاب والسنة في مسائل كثيرة متنوعة قد يفيد استقراؤها القطع بثبوت هذا الأصل، وفيما يلي نقول عن بعض العلماء في العمل بالقرعة في مواضع كثيرة منها هذه المسألة.