للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال في نتائج الأفكار:

قوله: والقرعة لتطييب القلوب وإزاحة تهمة الميل، قال الشراح: هذا جواب الاستحسان، والقياس يأباها لأن استعمال القرعة تعليق الاستحقاق بخروج القرعة، وهو في معنى القمار، والقمار حرام، ولهذا لم يجوز علماؤنا استعمالها في دعوى النسب ودعوى الملك وتعيين العتق أو المطلقة، ولكنا تركنا القياس ههنا بالسنة والتعامل الظاهر من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا من غير نكير منكر، وليس هذا في معنى القمار؛ لأن أصل الاستحقاق في القمار يتعلق بما يستعمل فيه، وفيما نحن فيه لا يتعلق أصل الاستحقاق بخروج القرعة؛ لأن القاسم لو قال: أنا عدلت في القسمة فخذ أنت هذا الجانب وأنت ذاك الجانب. كان مستقيما إلا أنه ربما يتهم في ذلك فيستعمل القرعة لتطييب قلوب الشركاء ونفي تهمة الميل عن نفسه، وذلك جائز، ألا يرى أن يونس عليه السلام في مثل هذا استعمل القرعة مع أصحاب السفينة كما قال الله تعالى: فساهم فكان من المدحضين وذلك لأنه علم أنه هو المقصود، ولكن لو ألقى نفسه في الماء ربما نسب إلى ما لا يليق بالأنبياء، فاستعمل القرعة لذلك، وكذلك زكريا عليه السلام استعمل القرعة مع الأحبار في ضم مريم إلى نفسه مع علمه بكونه أحق بها منهم لكون خالتها عنده؛ تطييبا لقلوبهم كما قال الله تعالى: إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم «وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرع بين نسائه إذا أراد السفر (١)» تطييبا لقلوبهن. انتهى كلامهم.

وعزا في النهاية ومعراج الدراية هذا التفصيل إلى المبسوط. أقول: بين أول كلامهم هذا وآخره تدافع؛ لأنهم صرحوا أولا بأن مشروعية استعمال القرعة هاهنا جواب الاستحسان، والقياس يأبى ذلك لكونه في معنى القمار. وقالوا آخرا: إن هذا ليس في معنى القمار، وبينوا الفرق بينه وبين القمار، وذكروا ورود نظائر له في الكتاب والسنة، فقد دل ذلك على أنه ليس مما يأباه القياس أصلا، بل هو مما يقتضيه القياس أيضا فتدافعا. اهـ.

وقال في كتاب الأم: (كتاب القرعة):

أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي قال: قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (٢) إلى قوله: {يَخْتَصِمُونَ} (٣) وقال الله عز وجل: وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين (قال الشافعي): رحمه الله تعالى: فأصل القرعة في كتاب الله في قصة المقترعين على مريم، والمقارعي يونس مجتمعة، فلا تكون القرعة - والله أعلم - إلا بين قوم مستوين في الحجة ولا يعدو - والله تعالى أعلم - المقترعون


(١) صحيح البخاري الهبة وفضلها والتحريض عليها (٢٥٩٤)، صحيح مسلم كتاب التوبة (٢٧٧٠)، سنن أبو داود النكاح (٢١٣٨)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٧٠)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٩٨)، سنن الدارمي الجهاد (٢٤٢٣).
(٢) سورة آل عمران الآية ٤٤
(٣) سورة آل عمران الآية ٤٤