للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العقيدة الطحاوية

تعليق سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الحمد لله رب العالمين، قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي - بمصر. رحمه الله: هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين. وما يعتقدون من أصول الدين، ويدينون به رب العالمين. نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله. ولا شيء يعجزه. ولا إله غيره.

قوله: (نقول في توحيد الله. . إلخ)

اعلم (أن التوحيد الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب ينقسم إلى أقسام ثلاثة حسب استقراء النصوص من الكتاب والسنة، وحسب واقع المكلفين.

القسم الأول: توحيد الربوبية، وهو توحيد الله بأفعاله سبحانه، وهو الإيمان بأنه الخالق الرازق المدبر لأمور خلقه المتصرف في شئونهم في الدنيا والآخرة لا شريك له في ذلك، كما قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (١) وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} (٢) الآية، وهذا النوع قد أقر به المشركون عباد الأوثان، وإن جحد أكثرهم البعث والنشور، ولم يدخلهم في الإسلام لشركهم بالله في العبادة وعبادتهم الأصنام والأوثان معه سبحانه، وعدم إيمانهم بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

القسم الثاني: توحيد العبادة، ويسمى توحد الألوهية، وهي العبادة، وهذا القسم هو الذي أنكره المشركون فيما ذكر الله عنهم سبحانه بقوله: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (٣) {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (٤) وأمثالها كثير، وهذا القسم يتضمن إخلاص العبادة لله وحده والإيمان بأنه المستحق لها، وأن عبادة ما سواه باطلة، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود حق إلا الله، كما قال الله عز وجل {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (٥) الآية من سورة الحج.

القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات: وهو الإيمان بكل ما ورد في كتاب الله العزيز، وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أسماء الله وصفاته، وإثباتها لله سبحانه على الوجه الذي يليق به، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، كما قال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (٦) {اللَّهُ الصَّمَدُ} (٧) {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (٨) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (٩)، وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (١٠)، وقال عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (١١)، وقال سبحانه في سورة النحل: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (١٢)، والآيات في هذا المعنى كثيرة، والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى الذي لا نقص فيه، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، يمرون آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت، ويثبتون معانيها لله سبحانه إثباتا بريئا من التمثيل، وينزهون الله سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيها بريئا من التعطيل، وبما قالوا تجتمع الأدلة من الكتاب والسنة وتقوم الحجة على من خالفهم، وهم المذكورون في قوله سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (١٣) جعلنا الله منهم بمنه وكرمه، والله المستعان.


(١) سورة الزمر الآية ٦٢
(٢) سورة يونس الآية ٣
(٣) سورة ص الآية ٤
(٤) سورة ص الآية ٥
(٥) سورة الحج الآية ٦٢
(٦) سورة الإخلاص الآية ١
(٧) سورة الإخلاص الآية ٢
(٨) سورة الإخلاص الآية ٣
(٩) سورة الإخلاص الآية ٤
(١٠) سورة الشورى الآية ١١
(١١) سورة الأعراف الآية ١٨٠
(١٢) سورة النحل الآية ٦٠
(١٣) سورة التوبة الآية ١٠٠