للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مضار الربا وحكمة تحريمه]

قلت في مقدمة هذا البحث: إن الإسلام دين العمل وبقدر ما يعمل المسلم يأخذ، أما التبطل والقعود عن الكسب المشروع اتكالا على مجهود الغير أو اعتدادا بغنيمة باردة تصل إليه فليس ذلك من دين الإسلام بل هو مناقض لما جاء به الإسلام. ومن ثم نجد المدخل لمضار الربا فهو تبطل يعيش المتعاطي له على حساب الغير؛ يأكل كسبهم ويمتص نشاطهم إلى آخر ما سطرته في المقدمة، بالإضافة إلى أنه يسبب العداء بين أفراد المجتمع. ودين الإسلام دين التراحم والتعاطف والمساواة لا يقر الهامل الذي يعيش كالمتطفل على كدح غيره، يستمرئ حياة الدعة ليأكل الربا غنيمة باردة دون عناء وجهد في الكسب، ولذلك أباح الله البيع وحرم الربا؛ للفارق العظيم بين البيع والربا، فالبيع: كد وجهد مبذول ولقمة يأكلها البائع من عرق الجبين، بخلاف المرابي فإنه تتضخم ثروته وينمو ماله بالغنيمة الباردة التي يستبزها من الفقير المحتاج.

وهنالك خسارة قد تحيق بالمرابي دون أن يحسب لها حسابا ألا وهي هبوط الأسعار والديون التي أثقل بها نفسه وأخذها بفائدة ليوسع بها تجارته قد ينجم عنه الإفلاس، فهو مضطر إذا حان أجل التسديد أن يبيع السلعة برأس مالها حتى يأتي على كل السلع التي تحت يديه والتي كانت قوام تجارته ويغدو صفر اليدين، بل قد تلجئه الحاجة إلى أن يتكفف الناس أو يركن إلى الاستدانة، وذلك ما تترجم عنه الآية الكريمة: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} (١) والحديث النبوي الشريف: «الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قل (٢)» أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكر بعض العلماء المعاصرين عن مضار الربا أنه وسيلة للاستعمار وشقائه فقد ثبت أن الغزو الاقتصادي القائم على المعاملات الربوية كان التمهيد الفعال للاحتلال العسكري الذي سقطت أكثر دول الشرق تحت رحمته، فقد اقترضت الحكومات الشرقية بالربا وفتحت أبواب البلاد للمرابين الأجانب فما هي إلا سنوات معدودة حتى تسربت


(١) سورة البقرة الآية ٢٧٦
(٢) سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٧٩)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٩٥).