للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ب- أسباب ترك الصحابة الافتراض في الأحكام:

لم يترك الصحابة رضي الله عنهم افتراض المسائل وتقدير أحكامها لأنهم منصرفون عن ذلك بجهاد أو غيره. إذ العلم من الجهاد بل من أعظم الجهاد، وإذا دعت الحاجة إليه فلا ينبغي أن يشغل عنه شاغل، ولكن حقيقة تركهم تعود إلى أمرين هامين:

أحدهما:

أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يسلك هذا المسلك، وهو المدرسة المعصومة التي تخرج فيها هؤلاء الصفوة.

ولو سلك التشريع هذا المسلك- أعني الافتراض- لنتج عنه محذورات ثلاثة:

المحذور الأول:

أن هذا خلاف كون الشريعة جاءت أحكامها عامة كلية في غير ما تناولته وقت الوحي أو المسائل التي لا يجوز فيها الاجتهاد. وقد تقرر أن الشريعة جاءت أحكامها كلية وعامة، بل حتى ما نزل به الوحي مفصلا في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأوامر والنواهي يعتبر كليا بالنسبة لما بعد التشريع حين نزوله.

المحذور الثاني:

لو سلك التشريع هذا المسلك لكانت الشريعة غير ما قص الله علينا من أنه ما جعل علينا في الدين من حرج، ووجه الحرج هاهنا أن الصور لا نهاية لها إلا بقيام الساعة، وهذا أمر مستحيل عادة أن يتحمله جيل لكل الأجيال إلى ذلك الحين، ولكن الله عز وجل تكرم ولطف بأن جعل الشريعة يسرا لا حرج فيها، كما شرع تعالى لا تبديل لشرعه كما لا تبديل لخلقه.