للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المحذور الثالث:

لو سلك التشريع مسلك الافتراض لأدى بكثير من العقول إلى الفتنة التي جاءت الشريعة منقذة منها، والفتنة والكفر أو الحيرة التي أنقذ الله منها بهداه من شاء من عباده، وإنما الحيرة من دعوة الشيطان يستهوي بها إلى الضلال بعضا من الغاوين.

ووجه ذلك أن كثيرا من الأمور التي تتناولها قواعد الشريعة الكلية وعموم أحكامها، لو ذكرت تفاصيلها للأجيال الأولى لأدت إلى ما قلنا، مع أنه لا حاجة إليهم بذكر التفاصيل ويكفي من بعدهم وضع التقعيد العام الذي ينتظم حكم ما سيجد بينهم، ولنضرب لذلك مثلا في الركوب وحمل الأثقال والمتاع والزينة، فإنه قد جد لهذه المرافق من أمور الناس من الطائرات السابحة في أجواء الفضاء على اختلاف أنواعها، ومن السفن الماخرة في عباب المحيطات كذلك، سواء منها ما يجري على متون البحار، أو يسير في قيعانها، ومن وسائط النقل البري المختلفة من حاملة ضخمة إلى (سيارة) لا تحمل إلا شخصين أو ثلاثة وتلك أمور تستدعي أحكاما متعددة:

١ - من جهة حل ركوبها واستعمالها وقد جاء قوله تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} (١) {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} (٢) {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} (٣) {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (٤).

فجملة: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (٥) تنتظم جميع هذه الوسائل وغيرها مما هو في علمه تبارك وتعالى.

٢ - ومن جهة الأحكام المتعلقة بالسفر والترخص بقصر الصلاة الرباعية والفطر في رمضان، فقد جاءت أحكام ذلك صالحة لكل سفر سواء ما كان معروفا في زمن الوحي أو في زمننا هذا، إذ لم تحدد بمسافة بل جيء بما يصلح


(١) سورة النحل الآية ٥
(٢) سورة النحل الآية ٦
(٣) سورة النحل الآية ٧
(٤) سورة النحل الآية ٨
(٥) سورة النحل الآية ٨