للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولا: أدلة من قال بالمنع:

استدل من قال بمنع الإلزام بأدلة الكتاب والسنة والإجماع:

أ - أما الكتاب فقد قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (١) فأوجب سبحانه على رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحكم فيما شجر بين الناس بما أعلمه الله في كتابه، وما فهمه من الوحي المنزل عليه.

ومن المعلوم أنه يجب على ولاة الأمر بعده أن يحكموا بما حكم به، وإلزام القاضي ونحوه أن يحكم بما دون من القول الراجح، أو بمذهب معين - وإن كان على خلاف ما اقتنع به - يتنافى مع ذلك، فوجب رده عملا بمقتضى الآية. وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (٢) والأقوال الراجحة في مسائل الخلاف إنما هي راجحة في نظر مرجحيها دون مخالفيهم، فلا يتعين أن تكون هي الحق الذي أنزله الله، وأمر بالحكم به بين الناس، فلا يلزم القاضي ونحوه الحكم بها إذا كانت أو كان بعضها على خلاف ما يعتقده حقا في نظره، بناء على اجتهاده أو ثقته بمن قلده، ولا يصح أن يشترط عليه ذلك حين التولية، أو يلزم به بعدها.

وقال تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} (٣) فأمر تعالى من تولى الفصل في الخصومات أن يحكم فيها بين الناس بالحق، والحق لا يتعين في مذهب أو رأي بعينه، ولا في قول رجحه بعض الفقهاء، فلا يلزم القاضي ونحوه الحكم أو الفتوى به، ولا يصح أن يشترط عليه ذلك في التولية أو بعدها؛ لجواز أن يفهم غير هذا الراجح ويقتنع به أو يقتنع به ثقة بمن رجحه من المجتهدين، فيكون حكمه بما ألزم به حكما بغير ما اعتقده حقا، وهو حرام، وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (٤) فأوجب سبحانه الرجوع إلى حكمه الذي أوحاه إلى رسوله


(١) سورة النساء الآية ١٠٥
(٢) سورة المائدة الآية ٤٨
(٣) سورة ص الآية ٢٦
(٤) سورة الشورى الآية ١٠