أقوال فقهاء الإسلام في تحديد المراد بجريمة الحرابة والإفساد في الأرض، وفي عقوبتها مع مناقشتها
ا - مذهب الحنفية
أ - جاء في الهداية على البداية ما نصه (باب قطع الطريق):
قال (وإذا خرج جماعة ممتنعين أو واحد يقدر على الامتناع فقصدوا قطع الطريق فأخذوا قبل أن يأخذوا مالا ويقتلوا نفسا حبسهم الإمام حتى يحدثوا توبة، وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي، والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحد منهم عشرة دراهم فصاعدا أو ما تبلغ قيمته ذلك؛ قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلاف. وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم الإمام حدا، والأصل فيه قوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (١) الآية، والمراد منه - والله أعلم - التوزيع على الأحوال وهي أربعة: هذه الثلاثة المذكورة والرابعة نذكرها -إن شاء الله تعالى- ولأن الجنايات تتفاوت على الأحوال فاللائق تغلظ الحكم بتغليظها، أما الحبس في الأولى فلأنه بالنفي المذكور؛ لأنه نفي عن وجه الأرض بدفع شرهم عن أهلها، ويعزرون أيضا لمباشرتهم منكر الإخافة وشرط القدرة على الامتناع؛ لأن المحاربة لا تتحقق إلا بالمنعة، والحالة الثانية كما بيناها لما تلوناه وشرط أن يكون المأخوذ مال مسلم أو ذمي لتكون العصمة مؤيدة، ولهذا لو قطع الطريق على المستأمن لا يجب القطع، وشرط كمال النصاب في حق كل واحد كي لا يستباح طرفه إلا بتناوله ما له خطر، والمراد قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى؛ كي لا يؤدي إلى تفويت جنس المنفعة، والحالة الثالثة كما بيناها لما تلوناه (ويقتلون حدا، حتى لو عفا الأولياء عنهم لا يلتفت إلى عفوهم)؛ لأنه حق الشرع (و) الرابعة: (إذا قتلوا وأخذوا المال فالإمام بالخيار، إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم، وإن شاء قتلهم، وإن شاء صلبهم، وقال محمد: يقتل أو يصلب ولا يقطع)؛ لأنه جناية واحدة فلا توجب حدين، ولأن ما دون النفس