للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأما الإجماع من أهل السنة والجماعة على خلاف ما زعمه القائل، بأن معية الله لخلقه معية ذاتية، فقد حكاه غير واحد من أكابر العلماء. ومن أجلهم إمام أهل السنة أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - فقد روى القاضي أبو الحسين في "طبقات الحنابلة" بإسناده إلى أبي العباس أحمد بن جعفر بن يعقوب بن عبد الله الفارسي الإصطخري، قال: قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل: هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروقها المعروفين بها، المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها. فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق.

ثم ساق الإمام أحمد أقوالهم في هذه العقيدة إلى أن قال: وخلق سبع سماوات بعضها فوق بعض، وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض، وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام، والماء فوق السماء العليا السابعة، وعرش الرحمن - عز وجل - فوق الماء، والله - عز وجل - على العرش والكرسي موضع قدميه، وهو يعلم ما في السماوات والأرضين السبع وما بينهما، وما تحت الثرى، وما في قعر البحار، ومنبت كل شعرة وشجرة وكل زرع وكل نبات، ومسقط كل ورقة، وعدد كل كلمة، وعدد الحصى والرمل والتراب، ومثاقيل الجبال وأعمال العباد، وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم، ويعلم كل شيء، لا يخفى عليه من ذلك شيء، وهو على العرش فوق السماء السابعة، ودونه حجب من نور ونار وظلمة، وما هو أعلم به.

فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله - عز وجل -: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (١)، وبقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (٢)، وبقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} (٣)، وإلى قوله: {هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (٤)، ونحو هذا من متشابه القرآن. فقل: إنما يعني بذلك العلم؛ لأن الله تعالى على العرش فوق السماء السابعة العليا، ويعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه، لا يخلو من علمه مكان انتهى.

فليتأمله المبتلى بمخالفة أهل السنة والجماعة حق


(١) سورة ق الآية ١٦
(٢) سورة الحديد الآية ٤
(٣) سورة المجادلة الآية ٧
(٤) سورة المجادلة الآية ٧