للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التأمل. وليتق الله ولا يكن من دعاة البدع والضلالة، فقد قال الله تعالى فيهم: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} (١)، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا (٢)». رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال أبو عمر بن عبد البر: أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل، قالوا في تأويل قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} (٣) هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله، انتهى. وقد نقله شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - تعالى في "القاعدة المراكشية" وأقره وهو مذكور في صفحة ١٩٣ من المجلد الخامس من مجموع الفتاوى. ثم قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: فهذا ما تلقاه الخلف عن السلف؛ إذ لم ينقل عنهم غير ذلك؛ إذ هو الحق الظاهر الذي دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، انتهى. وقد نقل الذهبي كلام ابن عبد البر في كتاب "العلو"، ونقله ابن القيم في كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية" وأقراه.

وذكر شيخ الإسلام أيضا في "شرح حديث النزول " قول الله تعالى في سورة الحديد: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (٤) وقوله تعالى في سورة المجادلة: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (٥) الآية. ثم قال: وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا: هو معهم بعلمه.

وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم فيه أحد يعتمد بقوله، وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم. ثم ذكر الشيخ ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (٦) قال: هو على العرش، وعلمه معهم. وروي أيضا عن سفيان الثوري أنه قال: علمه معهم. وروي أيضا عن الضحاك بن مزاحم في قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} (٧) إلى قوله: {أَيْنَ مَا كَانُوا} (٨) قال هو على العرش وعلمه معهم.


(١) سورة النحل الآية ٢٥
(٢) صحيح البخاري التوحيد (٧٥٤٣)، صحيح مسلم الحدود (١٦٩٩)، سنن أبو داود الحدود (٤٤٤٦)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٥٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٥)، موطأ مالك الحدود (١٥٥١)، سنن الدارمي الحدود (٢٣٢١).
(٣) سورة المجادلة الآية ٧
(٤) سورة الحديد الآية ٤
(٥) سورة المجادلة الآية ٧
(٦) سورة الحديد الآية ٤
(٧) سورة المجادلة الآية ٧
(٨) سورة المجادلة الآية ٧