إن علم المصطلح ينبني على دراسة أقوال أئمة الحديث النقاد القدامى الذين قضوا حياتهم في خدمة الحديث الشريف، واكتسبوا فيه تجارب علمية أودعوها في مؤلفاتهم، أو روى عنهم أصحابهم فوصلت إلينا في مؤلفات المتأخرين، وكان للإمام وكيع في هذا الصنف من العلم حظ كبير لممارسته الطويلة في التأليف والرواية والتحديث، والاحتكاك بالرجال ومعرفة أحوالهم، وهذا ليس يخفى على من درس مؤلفات أهل العلم في المصطلح.
وفيما يلي نسرد آراءه وأقواله وأفعاله في هذا الباب لنعرف مدى أصالة علم مصطلح الحديث، وإسهام السلف في جمع مادتها حيث تبلور هذا العلم بعد غربلة أفكارهم وتحريرها في صورة قواعد هذا الفن، حيث صارت هذه القواعد أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها وأدقها، وقلدهم فيها العلماء في أكثر الفنون النقلية، وفي الحقيقة أن هذا العلم أساس لكل العلوم النقلية وهو جدير بأن يوصف بأنه: منطق المنقول وميزان تصحيح الأخبار (١).