للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آراء العلماء في نكاح التحليل]

إذا طلق رجل امرأته ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره؛ لقوله تعالى بعد قوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (١) {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (٢).

وهذا قدر متفق عليه بين جميع أهل العلم، لا نعلم خلافا في ذلك، وإنما الخلاف في شيء وراء هذا، وهو هل المراد من النكاح في قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ} (٣) العقد كما قال الإمام سعيد بن المسيب، أم الوطء كما قال جمهور الفقهاء وهو المعول عليه؟ ولكنهم بعد اتفاقهم على هذا اختلفوا فيمن تزوج المطلقة ثلاثا؛ ليحلها للزوج الأول، أي: نوى من زواجه بها ذلك أو شرط عليه ذلك في العقد أو قبله، هل تحل للزوج الأول بعد أن يطلقها الزوج الثاني أو لا تحل؟ اختلف الفقهاء في ذلك، وتفصيل القول فيما يأتي:

إذا بانت الزوجة بينونة كبرى من زوجها فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا، يطؤها فيه، ثم يطلقها وتنقضي عدتها، فإذا نكحت المرأة هذا الرجل الثاني بدون شرط التحليل وبدون نيته في صلب العقد، وإنما تجردت نية الزوج للإمساك المطلق والرغبة في النكاح، فهو عقد صحيح بالإجماع سواء في هذه الحالة حصل شرط أو قصد قبل العقد، ثم تجرد العقد عنهما أو لا، وسواء أيضا نوت الزوجة أو وليها عند العقد أم لا.

أما إذا شرط التحليل أو نواه الزوج في صلب العقد فهو عقد المحلل الذي حصل فيه النزاع، فقد ذهب الإمامان مالك وأحمد - رضي الله عنهما - إلى أن عقد الزواج للمحلل باطل مطلقا شرط فيه التحليل أو نواه الزوج وإلى ذلك ذهب عامة أهل العلم، وجملة


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٣) سورة البقرة الآية ٢٣٠