الإنسان مدني بطبعه، قليل بنفسه كثير بغيره، فكل محتاج إلى ما عند غيره، ومن طبيعة الإنسان أن يضن ببذل ما عنده إلا بعوض، لذا نشأت الحاجة إلى ما يسمى بالمقايضة، ويذكر أن نظام المقايضة قد ساد وقتا ما إلا أن تطور الحياة، وما في الأخذ بالمقايضة من صعوبات أدى إلى الأخذ بوسيط آخر يكون أيسر، ويصلح وحده للمحاسبة، ومقياسا للقيم، وخزانة للثروة وقوة شرائية غير محدودة، إلا أن كل أمة اختارت وسيطا يناسب البيئة التي تعيشها، ولم يعد هذا الوسيط أن يكون سلعا متنوعة من الأصداف، والخرز، والرياش، وأنياب الفيلة، ونحوها، ولما تطورت الحياة البشرية ظهر عجز السلع عن مسايرة هذا التقدم فاتجه الفكر إلى وسيط سهل الحمل عظيم القيمة له من المميزات ما يحفظه من عوامل التلف والتأرجح بين الزيادة والنقصان، فاتخذوا الوسيط للتبادل من المعادن النفيسة على شكل سبائك وقطع غير مسكوكة، غير أن اختلاف أنواعها وعدم وجود سكة لها أدى إلى التلاعب في وزنها، وإلى صعوبات في تقديرها عند التبادل، فتدخل ولاة الأمر ورأوا احتكار إصدار الوسيط