أن التحليل لو كان جائزا لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل عليه من طلق ثلاثا؛ فإنه كان أرحم الناس بأمته وأحبهما لمياسير الأمور، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وقد جاءته امرأة رفاعة القرظي مرة بعد مرة، وهي تروي من حرصها على العود إلى زوجها ما يرق القلب لحالها، ويوجب إعانتها على مراجعة الأول إن كانت ممكنة، ومعلوم أن التحليل إذا لم يكن حراما فلا يحصى من يتزوجها فيبيت عندها ليلة ثم يفارقها، وقد كان يمكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لبعض المسلمين حلل هذا لزوجها، فلما لم يأمر هو ولا أحد من خلفائه بشيء من ذلك مع مسيس الحاجة إليه علم أن هذا لا سبيل إليه، وأن من أمر به فقد تقدم بين يدي الله ورسوله. ولم تسعه السنة حتى تعداها إلى بدعة زينها الشيطان لمن أطاعه، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. قال ابن تيمية: ومن تأمل هذا المسلك وعلم كثرة وقوع الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه، وأنهم لم يأذنوا لأحد في التحليل، علم قطعا أنه ليس من الدين؛ فإن المقتضى للفعل إذا كان قديما قويا وجب وجوده، إلا أن يمنع منه مانع، فلما لم يوجد التحليل مع قوة مقتضيه علم أن في الدين ما يمنع منه، وهذا مسلك حسن وجيه.