للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمثلة على هذا التحول]

بعد أن كان للشعائر التعبدية قدسيتها في نفوس المؤمنين تبعا لتفهمهم لها وحرصهم عليها. . . فقد الناس بتحول مفهوم العبادة عن معناه الصحيح تلك القدسية، وأصبحت عندهم عبارة عن مظاهر ومراسم لا تترك أثرا ولا تجدي نفعا.

فبعد أن كان المرء يحسب للفظ الشهادتين كل حساب، ويشعر وهو يتلفظ بهما بالخشوع والخضوع الكامل. . . أصبحنا نجد المسلم الذي يكررها مئات المرات ويجعلها وردا من أوراده وهي لا تترك فيه أثرا، ولا تصلح منه سلوكا.

وقل مثل هذا في جميع أنواع الذكر:

فكم من مستغفر لله عز وجل وهو متلبس بمعصية الله ومخالفته لا يجاوز الاستغفار لسانه. . .!

وكم من مسبح وحامد وشاكر لله عز وجل بلسانه، وهو غافل عن نعمه، ومرتكب لما يوحي بالكفران لهذه النعم. . .!

تجد هذا كثيرا في عامة الناس المحافظين على الأذكار والأوراد التي اعتاد عليها لسانهم، ولكنها لا تحرك قلوبهم. . . ترى هل يعتبر ذكرهم هذا عادة أم عبادة!؟

كنت مرة مع صحب لي في المسجد النبوي الشريف ننتظر الإفطار في رمضان، وكان أحد المحافظين على ذكر الإفطار جالسا، فما أن تناول واحدة من التمر حتى قال على عجل: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، وبك آمنت وعليك توكلت، ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله (١)».

فقلت له - منبها على هذه الحال وقبل أن يتناول الماء - هل ذهب ظمؤك، وابتلت عروقك حقا!؟ فتعجب وتنبه.

وإن تعجب فعجب فعل مرتكب الكبائر، يجلس في المسجد ويتلو آيات القرآن فتمر عليه آيات الربا وغيرها دون أن تهز من نفسه، أو تنبه شعوره!!

والصلاة التي كانت قرة عيون المؤمنين، ومعراج المتقين، أصبحت عند كثير من المصلين عبارة عن حركات منظمة تفتقد الخشوع والطمأنينة.


(١) سنن أبو داود الصوم (٢٣٥٧).