للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بطلان دعوى الكلام النفسي]

فإن قال: ما هذا قرآنا ولا مثله، فإن القرآن المعني، وهذه الألفاظ المنتظمة للحروف ما هي المعنى ولا مثله إنما هي عبارة عنه مؤدية له، وهي من عملنا وهي مخلوقة، والقرآن القديم هو معنى في نفس الباري لا يظهر للحس ولا يوصف بأنه صوت ولا حرف.

قلنا: هذا معتمد إشكالهم، وهو فاسد لوجوه:

أحدها: أن التحدي إنما وقع بهذا النظم. فإن قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ} (١) {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} (٢) إنما عنى به هذا النظم الذي هو سور وآيات وحروف وكلمات فإن قريشا لم تزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما في نفس الباري، ولا اعترفوا بذلك أصلا، وإنما أشاروا إلى هذا النظم الذي سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم وتلاه عليهم ثم قال: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} (٣) أي مثل هذا الحديث الذي زعمتم أنه تقوله، وهو هذا لا شك فيه ولا مرية.

وكذلك قوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ} (٤)، وهذا إشارة إلى حاضر، وقوله: {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} (٥)، صريح في أنه سور، ولأن التحدي إنما يكون بالإتيان بمثل شيء ظاهر معروف، ولا يجوز أن يقول: فأتوا بمثل ما في نفس الباري مما لا يدرون ما هو ولا يعرفونه.


(١) سورة الطور الآية ٣٣
(٢) سورة الطور الآية ٣٤
(٣) سورة الطور الآية ٣٤
(٤) سورة الإسراء الآية ٨٨
(٥) سورة يونس الآية ٣٨