يبتلي الله تعالى عباده بالأقدار المؤلمة ليعلم صدقهم وقوة إيمانهم، ويتفاضل البلاء بحسب قوة الإيمان، وفي حديث الإفك كان الابتلاء في حق عائشة رضي الله عنها عظيما؛ فقد رميت بالزور والبهتان، وهو أمر عظيم في حق من نشأ في معدن العفاف والطهر وموئل الكرامة والشرف، ولهذا كانت رضي الله عنها تبيت الليالي الطويلة مدة شهر كامل لا يرقأ لها دمع ولا تكتحل بنوم، وأبواها المشفقان يظنان أن البكاء فالق كبدها.
لقد بلغت قوة الإيمان بالصديقة بنت الصديق مبلغا عظيما، فالتجأت إلى ربها عز وجل وفوضت أمرها إليه، وهي تعلم أنه سيبرئها ويبطل كيد المنافقين الذين أرادوا النيل منها ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صح عنها قولها: ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}(١). وقولها رضي الله عنها: وأنا والله أعلم أني بريئة، وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها. إنه موقف