للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المثال الخامس عشر: قوله تعالى في الحديث القدسي: «يا ابن آدم مرضت فلم تعدني (١)». الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما على أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي؟ (٢)».

والجواب أن السلف أخذوا بهذا الحديث ولم يصرفوه عن ظاهره بتحريف يتخبطون فيه بأهوائهم وإنما فسروه بما فسره به المتكلم به، فقوله تعالى: مرضت واستطعمتك واستسقيتك بينه الله تعالى بنفسه حيث قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض وأنه استطعمك عبدي فلان. واستسقاك عبدي فلان وهو صريح في أن المراد به مرض عبد من عباد الله واستطعام عبد من عباد الله واستسقاء عبد من عباد الله والذي فسره بذلك هو الله المتكلم به وهو أعم بمراده، فإذا فسرنا المرض المضاف إلى الله والاستسقاء المضاف إليه بمرض العبد واستطعامه واستسقائه لم يكن في ذلك صرف للكلام عن ظاهره؛ لأن ذلك تفسير المتكلم به فهو كما لو تكلم بهذا المعنى ابتداء. وإنما أضاف الله ذلك إلى نفسه أولا للترغيب والحث كقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ} (٣).

وهذا الحديث من أكبر الحجج الدامغة لأهل التأويل الذين يحرفون نصوص الصفات عن ظاهرها بلا دليل من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يحرفونها بشبه باطلة هم فيها متناقضون مضطربون. إذ لو كان المراد خلاف ظاهرها كما


(١) رواه مسلم في باب فضل عيادة المريض من كتاب البر والصلة والآداب ـ رقم ٤٣، ص ١٩٩٠ ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي
(٢) رواه مسلم في باب فضل عيادة المريض من كتاب البر والصلة والآداب ـ رقم ٤٣، ص ١٩٩٠ ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي
(٣) سورة البقرة الآية ٢٤٥