للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الهجاء في شعر حسان]

كان الباعث على التهاجي في الجاهلية تلك الأحقاد التي أثارتها العصبيات والمنافرات والمفاخرات، فاندفع الشعراء وراء أحقادهم وأحقاد قبائلهم يطعنون أعداءهم، بل قد يسرفون في طعن الأعراض لتشتفي النفوس حين تدمي الطعنات نفوس الأعداء.

وقد وجد هذا اللون مجاله في الصدر الأول للإسلام بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعبئة قريش الشعراء لهجاء الرسول لإضعاف شأنه وشأن دعوته بين العرب، ولهذا أغرت قريش أولئك الشعراء من أمثال ابن الزبعرى وعمرو بن العاص وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم الرسول.

وحين طرقت أهاجيهم أسماع الرسول جند طائفة من الشعراء على رأسهم حسان للدفاع عنه والنيل من أعدائه فخاض حسان ميدان الهجاء ولم يقصر هجاءه على الأفراد بل هجا البطون والعشائر والقبائل، فهجا أبا سفيان بن الحارث وابن الزبعرى وعمرو بن العاص، وصفوان بن أمية، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة والحارث بن هشام وأبا جهل والعاص بن المغيرة وحكيم بن حزام، وأبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة وهجا من القبائل والبطون والعشائر: هذيلا، ومزينة، وبني عبد الدار، وبني العوام، وبني المغيرة وهوازن وثقيفا، وبني أسد، وبني الحماس، وبني سهم.

وقد احتل الهجاء في ديوان حسان مكانا كبيرا.

قال في أبي سفيان بن الحارث قبل أن يسلم في عام الفتح قصائد متعددة قال في بعضها:

ألا أبلغ أبا سفيان عني ... فأنت مجوف نخب هواء (١)

بأن سيوفنا تركتك عبدا ... وعبد الدار سادتها الإماء (٢)

هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء

أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء

والبيت الرابع من هذه الأبيات تأثر فيه حسان بالأسلوب القرآني في قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (٣)

وفي قصيدة أخرى يقول لأبي سفيان:

وأنت زنيم نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد


(١) المجوف: الجبان الذي لا قلب له، والنخب والهواء مثله.
(٢) عير حسان بني عبد الدار حين حملت إماؤهم اللواء بعد أن سقط تحته تسعة من بني عبد الدار.
(٣) سورة سبأ الآية ٢٤