أن يجنب فتح مكة الدماء؛ لأنه لم يزل يأمل في أن ينسى أهلها الدماء ويقبلوا على الإسلام، أو لعل الرسول أراد أن يبين لقريش أن جيش الفتح ليس قوامه الأنصار، بل ها هي تلك طلائعه تموج في ألف من بني سليم وقد غاب عن حسان رأي الرسول في تقديم بني سليم على الأنصار فثارت شاعريته وقال:
وأت الرسول فقل يا خير مؤتمن ... للمؤمنين إذا ما عدل البشر
علام تدعى سليم وهي نازحة ... أمام قوم هم آووا وهم نصروا
سماهم الله أنصارا لنصرهم ... دين الهدى وعوان الحرب تستعر
وجاهدوا في سبيل الله واعترفوا ... للنائبات فما خاموا وما ضجروا
والناس ألب علينا ثم ليس لنا ... إلا السيوف وأطراف القنا وزر
ونحن جندك يوم النصف من أحد ... إذ حزبت بطرا أشياعها مضر
فما ونينا وما خمنا وما خبروا ... منا عثارا وجل القوم قد عثروا
هذه صفحة من كفاح الأنصار ينشرها حسان وهي مقبولة من شاعر الرسول الحريص على أن تظل للأنصار مكانتهم في الطليعة بين المسلمين وألا تقصيهم الأيام عن مكانهم، ولعل ذلك الحرص هو الذي فجر أحاسيس الشاعر فنادى الرسول: يا خير مؤتمن على مكانة الأنصار وهو يسوي الصفوف حتى لا تغيب في غمار الأحداث مكانتهم وهم المجاهدون، وتساءل الشاعر علام تقدم سليم وهي بعيدة أمام الأنصار الذين جاهدوا في الله حق الجهاد وما جبنوا في معركة ولا ضجروا من طولها حين تألب العرب عليهم فلم يعصمهم منهم غير السيوف والرماح فهم الذين ثبتوا في أسفل أحد حيث جمعت مضر الأشياع والأحزاب للقضاء على الإسلام والمسلمين ولم تفتر عندئذ للأنصار همة وما نكصوا وما عثروا حين عثر الناس جميعا وتساقطت عزائمهم.
وكان جواب الرسول على ثورة حسان خطبته بعد تقسيم غنائم هوازن وألف قلوب القرشيين بالكثير منها وقد ختم الخطبة بقوله: لو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، ودعا للأنصار ولأبناء الأنصار، وكان في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير ما يقنع حسان ويطمئنه على مكانة الأنصار.