ومع أن كثيرا مما سبق يعتبر في حقيقته مزايا أدبية، إلا أننا نشير هنا إلى الطابع الأدبي الواضح في أسلوب الخطبة من حيث إنه كلام أدبي بصرف النظر عن كونه خطبة أو غير خطبة. ومن هذه المزايا الأدبية:
١ - الإيجاز: فمن الواضح في الخطبة هذا الإيجاز المستوعب، فإننا لو تأملنا لوجدناها تعرض مجملا لتاريخ الإسلام في مكة، وفي المدينة خلال حياة النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم جوانب من الخلق العظيم الذي تحلى به صلوات الله عليه، ومن آثاره هذا الوفاء العظيم الذي يحمله للأنصار، وكل ذلك تعرضه الخطبة واضحا مفصلا في هذا الإيجاز البليغ.
٢ - تحديد العناصر: ومن الواضح في الخطبة تحديد عناصرها، وعدم تداخل هذه العناصر أو تكرار شيء منها، وهذا التمايز بين العناصر يعين السامع على حسن الاستيعاب، ويجعل المعاني واضحة بارزة مؤثرة.
٣ - تجسيد المعاني: ومن أهم ما يتميز به الطابع الأدبي للخطبة تصويرها للمعاني في قوالب تجعلها مجسدة في ذهن السامع، وكأنها حينئذ ليست معاني فحسب، وإنما هي شخوص ماثلة أو مناظر محددة مرئية، ومن ذلك حديثه عن الغنائم التي أثارت الموجدة في نفوسهم فلم يذكرها قط حينئذ بأنها غنائم أو مال أو نحو ذلك، وإنما كان كل حديثه عنها بأنها «لعاعة من الدنيا (١)» والسامعون يعرفون أن اللعاعة بضم اللام نبات ضعيف صغير، فتمحى من أذهانهم صورة الغنائم ببريقها وإغرائها، ولا يبقى فيها إلا صورة هذا النبات الضعيف الذي لا يستحق التنافس عليه.