أبو الحكم الأندلسي قاضي الجماعة بقرطبة ينسب إلى قبيلة يقال لها: كزنة، وهو من موضع قريب من قرطبة، يقال له: فحص البلوط.
كان فقيها محققا، وخطيبا بليغا مفوها، له اليوم المشهور الذي ملأ فيه الآذان، وبهر العقول، وذلك أن المستنصر بالله، كان مشغوفا بأبي علي القالي، يؤهله لكل مهم، فلما ورد رسول الروم أمره أن يقوم خطيبا على العادة الجارية، فلما شاهد أبو علي الجمع العظيم جبن فلم تحمله رجلاه، ولا ساعده لسانه، وفطن له منذر بن سعيد، فوثب في الحال، وقام مقامه، وارتجل خطبة بديعة، فأبهت الخلق، وأنشد في آخرها لنفسه:
هذا المقال الذي ما عابه فند
لكن صاحبه أزرى به البلد
لو كنت فيهم غريبا كنت مطرفا
لكنني منهم فاغتالني النكد
لولا الخلافة أبقى الله بهجتها
ما كنت أبقى بأرض ما بها أح د
فاستحسنوا ذلك، وصلب الرسول، وقال: هذا كبش رجال الدولة.
ومن تصانيفه: كتاب " الإنباه عن الأحكام من كتاب الله " وكتاب " الإبانة عن حقائق أصول الديانة ".
قال ابن بشكوال في بعض كتبه: منذر بن سعيد خطيب بليغ مصقع لم يكن بالأندلس أخطب منه، مع العلم البارع، والمعرفة الكاملة، واليقين في العلوم، والدين، والورع، وكثرة الصيام، والتهجد، والصدع بالحق. كان لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد استسقى غير مرة، فسقي.
ذكر أمير المؤمنين الحكم فقال: كان فقيها، فصيحا، خطيبا، لم يسمع بالأندلس أخطب منه، وكان أعلم الناس باختلاف العلماء، شاعرا لبيبا أديبا، له تصانيف حسان جدا، وكان مذهبه النظر والجدل، يميل إلى مذهب داود بن علي.
وذكره محمد بن حارث القروي، فقال: كان من أهل النفاذ والتحصيل، متدربا للمناظرة، متخلقا بالإنصاف، جيد الفهم، طويل العلم، بليغا موجزا، يميل إلى طرق الفضائل، ويوالي أهلها، ويلهج بأخبار الصالحين.