لقد أنزل الله في شأن كعب بن مالك قرآنا بعد تخلفه عن غزوة تبوك التي كانت بين المسلمين والروم، وكانت في الصيف حيث الحر والجدب، وحيث يهيم الناس بالأفياء ويهرعون إلى الظلال.
وقد روى ابن إسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان يقود أباه حين أصيب بصره فحدثه حديث تخلفه عن تبوك قال:
كان من خبري حين تخلفت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك: أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، وتجهز رسول الله وتجهز المسلمون معه، وجعلت أغدو لأتجهز معهم فأرجع ولم أقض حاجة، ثم يقول: وجعلت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطفت فيهم يحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا (مطعونا عليه) في النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك.
فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟
فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه.
فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا منه إلا خيرا.
فسكت رسول الله فلما قفل الرسول من تبوك دخل المسجد وصلى ركعتين، ثم جاءه المخلفون، فجعلوا يحلفون له ويعتذرون فيقبل منهم، حتى جلس كعب بين يديه.
فقال له الرسول: ما خلفك؟ ألم تكن ابتعت ظهرك؟
قال كعب: قلت: يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم كذبا لترضين عني، وليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديثا صدقا تجد علي فيه، إني لأرجو عقباي من الله.
فقال الرسول: قم حتى يقضي الله فيك، وكان معه في مثل موقفه: مرارة بن الربيع، وهلال بن أبي أمية.